بقوله: (الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءًا لْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ)، أي أن هولاء الناس المصدون عن المسجد الحرام من يريد الحج إليه وقد جعله اللَّه - الذي باركه وأكرمهم به - للناس جميعا، وليس لقريش وحدها، فهم فيه كغيرهم من الناس، وإن كان اللَّه تعالى كرمهم بأن جعل منهم سدنة البيت والقائمين عليه وعلى خدمته وعمارته، وكلمة (سَوَاءً) قرئت مفتوحة وتكون مفعولا لجعلناه وهي المفعول الثاني، والأول الهاء، وتكون (لِلنَّاسِ) متعلقة بـ (سَوَاءً)، وقرئت مضمومة، وتكون مبتدأ، ويكون المعنى مستوفية العاكف والباد، وتكون الجملة في مقام المفعول الثاني أو حال (١).
و (الْعَاكِفُ) المقيم في مكة، وعبر عنه بالعاكف إيماء إلى أنه ينبئ أن يكون عاكفا عابدا، لَا أن يكون وثنيا مشركا، صادًّا عنه مانعًا له، والبادي: المقيم في البادية، وإذا كان المقيم ببادية يستوي مع المقيم في مكة حول البيت الحرَام فأولى المتحضر المقيم في الحاضرة؛ ولذا قالوا: إن البادي هو من يكون من غير أهل مكة سواء الحاضر فيها والبادي، والتعبير بالمضارع في يصدون إشارة إلى استمرارهم على الصد عن سبيل اللَّه.
وخبر " إن " محذوف، دل عليه ما يجيء بعد ذلك من قوله: (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ) تقديره له عذاب شديد، وقوله تعالى: (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)، أي إن الذي يريد فيه إلحادا وميلا عن الحق واحترام البيت وصيانته بظلم يرتكبه بالشرك والاعتداء على حرماته، وصد الناس، ومنعهم من الطواف يذيقه اللَّه تعالى من عذاب أليم ينزل به في الدنيا بالحروب التي تهزمهم، وفي الآخرة بالنار يذوقون حريقها.
وفى قوله تعالى: (وَمَن يرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ) أمور بيانية نشير إليها:
________
(١) كلمة (سواء) منصوبة: قراءة حفص، وجبلة عن المفضل عن عاصم، وقرأ الباقون بالنصب. غاية الاختصار: ٢/ ٥٧٨.