"وقد عرفت مما ذكرناه لك قريبأ أنّهم يرجعون إلى كتب المفسّرين، ويأخذون من أبحاثهم، ويسوقونه في صورة اعتراض، وينسبونه إلى أنفسهم. مع أنَّهم يعلمون أنّ المعترض قد أجاب عن اعتراضه بعدَّة أجوبة، ومِنْ أجل ذلك ترى كثيرا من المبشّرين لا يُحسن نقل الاعتراض؛ فيظهر جهله في صورة مكبّرة مضحكة، ولا نريد أن نذهب بالقرّاء بعيدا، بل نقول لهم: إنّ الأمثلة التي اعترض بها زعيم المبشّرين واتّبعه فيها القسيس الملقّب نفسه بهاشم العربيّ أكبر شهادة على ما نقول ".
ولنأخذ مثالا من صاحب (تذييل مقالة في الإسلام)، كي يرى القارئ صدق ما قرّرناه، قال في (تذييله): "وقال في سورة البقرة: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ).
قال المفسّرون: إنّ (الَّذي) بمعنى (الَّذين)، واستشهدوا لذلك لا بشاهد من كلام العرب بل بكلام القرآن نفسه؛ إذ قال: (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)، أي: كالذين خاضوا؛ وهذا احتجاج ضعيف فضلا عن أنَّه لو أراد بالذي في هذا الموضع معنى (الذين) لقال: الذي استوقدوا، كما قال: الذي خاضوا، ولكنَّه قال: استوقد بالإفراد؛ فبَقِيَ الكلام بعد ذلك ناقصا لا يفيد".