اعتُبر - في الآيات – من أصابه البغي مظلوماً (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ)، والفارق الذي يميز البغي عن باقي أنواع الظلم، أن البغي هو التعدي على الآخرين على وجه التسلط والتطاول.
ولذا فلا تَعارض بين (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) (الفرقان: ٦٣) وبين (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) (الشورى: ٣٩)؛ لأن مخاطبة الجاهلين ليست بغياً.
- النهي عن البغي مندرج تحت النهي عن الفحشاء والمنكر؛ ولكن هذا من باب ذكر الخاص بعد العام للأهمية، لأن الاعتداء على الناس يتضمن حقين، الأول: حق الله سبحانه وتعالى، والثاني: حق العباد؛ ولذا قال تعالى (... وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ... ) (المائدة: ٢) فالإثم هو الذنب العام، ويندرج العدوان ضمنه، ولكن ذكر العدوان من باب ذكر الخاص بعد العام للأهمية؛ لأن العدوان هو الاعتداء على العباد.
- يتساهل الناس في حقوق العباد، فتراهم يصلّون ويصومون، ولكنهم يغشون ويخدعون، ويظنون أنهم على الحق التام، وأن البغي على العباد أمره يسير، وخطبه حقير، ولذا فكم وكم ممن يُظنُّ فيهم الالتزام يخفقون في امتحان حقوق العباد.
- ولكن لماذا تقدّم الأمر على النهي في الآية؟
تقدّم الأمر على النهي في الآية؛ لأن الأمر بالواجب والمندوب يتضمن نهياً، فهو طلب فعل وطلب ترك في وقت واحد؛ نقول: صلِّ. وهذا أمر يتضمن النهي عن ترك الصلاة، وهكذا.
بينما النهي قد لا يتضمن – أي في بعض الأحيان - أمراً، نقول: لا تشرب الخمر. فهذا النهي لا يُفهم منه أمرٌ بفعل شيء آخر.
والخلاصة أن الأمر قُدِّم على النهي؛ لأن الأمر يتضمن في تضاعيفه توجيهات أكثر من النهي، ولكن قد يُقدَّم النهي على الأمر في سياق آخر لأغراض بيانية أخرى.


الصفحة التالية
Icon