هذا يُسمى في علم البلاغة بشبه كمال الاتصال، ويكون شبه كمال الاتصال بأن تكون الجملة الثانية جواباً عن سؤال نَتَجَ عن الجملة الأولى، أي: لماذا يأمرنا الله بالعدل... وينهى عن... ؟ الجواب (يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي: إن الله يعظكم بما وعظكم لأجل هدايتكم رحمةً بكم.
- (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) قد اختلف المفسرون في "لعل"، وهذا الاختلاف في كونها للترجي، والترجي أمر لا يجزم بوقوعه، وبناء على هذا وقع الاختلاف، وكلُّهم على أن الشك لا يُنسب إلى الله سبحانه وتعالى.
و"لعل" - هنا - بمعنى التعليل؛ أي أن الله يعظنا حتى نهتدي رحمة بنا.
- (تَذَكَّرُونَ) تتعظون؛ فتخرجون من غشاوة الغفلة إلى نور الهداية والذكرى.
- لماذا جاء التعبير في الآية بـ (تَذَكَّرُونَ) وليس "تتفكرون" أو "تعقلون"؟
الجواب عن هذا أن فِعل العدل والإحسان وصلة القربى والابتعاد عن الفحشاء والمنكر والبغي لا يحتاج إلى إجهاد العقل في التفكير العميق، وإنما يحتاج إلى تذكّر واتّعاظ، وهذا أمر يقدر عليه كل المكلَّفين؛ ولذا جاء التعبير بـ (تَذَكَّرُونَ) وليس "تتفكرون" أو "تعقلون".
وتأمل معي الفرق في استعمال "يتفكرون" و "يعقلون" و"يذَّكرون":
١ - (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل: ١١)
جاء التعبير بـ (يَتَفَكَّرُونَ) وليس بـ "يتذكرون"؛ لأن الأمر ليس ظاهراً ظهور ما يحتاج إلى تذكّر فقط، وليس بـ"يعقلون" لأن الأمر لا يحتاج إلى المبالغة في إعمال العقل، بل العبرة بأمر الزرع والثمار تحصل بتفكر وتأمل في حال البذرة ونموها وإثمارها، وكيف أن هذه البذرة انتقلت من بذرة يابسة إلى زرع يانع وثمار ناضجة، وهذا يقدر عليه عامة الناس.