بالإشارة إليه صراحة، فالبحث والاستقراء هو المعتبر في التأويل، والموافقة أو عدمها لمجمل القرآن والسنة هي الحكم، من غير قياس ولا مجرد رأي.
أما المقاصد الثابتة في الحروف المقطّعة فلا بد أن تتوافق مع هذه الأصول، وهي كما أسلفت من المحكم ومن محكم المحكم (١)، وسأبينها بناء على هذا التفصيل: بأن المقاصد الثابتة بعبارة النص تمثل المعنى الذي أوردناه، وهو ما جاء النص لإثباته دون سواه من معاني، والمقاصد الواقعة بالإشارة في هذه الحروف ونعتبرها هنا إشارة على شيء في نفس المخاطَب وهم المشركين العرب زمن التنزيل، لكون الإشارة والإيماءة لا تكون إلا للأمر بشيئ أو للنهي عن فعل أو قول معلوم لدى المخاطب، أما المقاصد الثابتة بدلالة الحروف فنعتبرها دليلاً على شيء له علاقة بكينونة الحروف وأصلها وغاية ذكرها عند القائل جل في علاه، لكون الدليل هو "إبانة الشيء بأمارة تتعلمها" (٢)، وهي من الله إبانة لشيء بأمارة ذكرها كما هي على هذه الهيئة، موصولة الحروف في الكتابة كالكلمات، ومقطّعة في اللفظ كحروف الهجاء، لنتعلم هذا الشيء المراد وهو الدليل، وأخيرا المقاصد الثابتة بمقتضى ذكر الحروف فنعتبره المضمون من ذكرها، والمضمون من توزيعها في القرآن وورودها في أوائل السور وعددها، ومثل ذلك من مقتضى الذكر، وكل أمر قد قضاه الله في هذا الكتاب محكم ومعجز في نظمه ومقاصده، "كما نقول

(١) المحكم في الأصول هو: "اللفظ الذي دل على معناه، دلالة واضحة قطعية، لا تحتمل تأويلا ولا تخصيصا ولا نسخا حتى في حياة النبي - ﷺ -، ولا بعد وفاته بالأَولى، وذلك كقوله سبحانه ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ " تفسير النصوص في الفقه الإسلامي لمحمد أديب صالح (١٧١/ ١) وقد فصّل أهل الأصول في أقسام البيان أنواعاً للمحكم من حيث قابلية النسخ على قسمين: المحكم لذاته والمحكم لغيره، نسبة لوجود القرينة المانعة من النسخ في ذات النص أو خارجه، والحروف المقطّعة من المحكم لذاته قطعاً، لمجرد اللفظ بها ابتداءً، وانتهاءً بورودها في بداية التنزيل في سورة القلم وق وص منفردة، وهي من الحروف العربية نطقاً وكتابةً، وقد أتى التأكيد على هذا البيان بقوله تعالى ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ... الآية﴾
(٢) مقاييس اللغة - دل


الصفحة التالية
Icon