والحكم من رحمة الحاكم بالمحكوم قبل العدل، ولو لم يرحم الحاكم لفسدت أحوال المحكوم، كما أنه لو كان في الأرض إله وفي السماء إله، وحكم كل إله على الآخر ومن تبعه، فسيحكم من غير رحمة لإثبات وجود ولاستفراده بالحكم، مما يؤدي لفساد الأحوال في السماء والأرض كما في قوله تعالى ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الانبياء: ٢٢].
الحجة الرابعة: وهي ما وجدوا آباءهم عليه، والزعم بأنهم أحق بالإتباع، وهذا ما يريدون بالنهاية، وجاء الرد ضِمْنِيًّا عليها من ثلاثة وجوه، الأول بكلمة (واذكر) لقصص الأنبياء داود وسليمان وأيوب وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل واليسع وذا الكفل - عليهم السلام - وكأنه يقول هؤلاء سلفك، أما سلفهم فهم قوم نوح وفرعون وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة - وقد ذكرهم قبل الأمر بذكر الأنبياء - فلينظروا من أحق بأن يُتّبع، أهم الصالحون أم الهالكون، والوجه الثاني بذكر سليمان عليه السلام وذكر قصة أبيه داود عليه السلام، ولإيضاح هذا الوجه، لنفرض أن رجلاً قام في قومه وهم أهل تجارة، فقال لهم إنني أدعوكم لإتباع نظام تجاري يضمن لكم أن تكونوا سادة الأمم وأغناهم جميعاً، فافعلوا كذا وكذا، فقالوا له بل ما نحن عليه أفضل وأجدى مما تقول، وقد ورثنا هذه التجارة عن آبائنا وهم أهل تجارة كابراً عن كابر، فقال لهم يا قوم أنا لا أخترع هذا النظام، فقد اتّبَعتهُ أمم من قبلكم فسادوا على من سواهم، وجمعوا ما لم تجمعه أمة من الأمم، وأنتم تعرفونهم وسمعتم بهم ولم تعلموا بعد ما هو نظامهم، وأنا أقول لكم إن هذا هو نظامهم خالص لكم من غير تعب، وكذلك ذكر قصة داود وسليمان وهم من حكموا الأرض بكلمة لا إله إلا الله، وكان لهم ما لم يكن لأمة من الأمم، أما الوجه الثالث فهو بذكر الوراثة من داود لسليمان عليهما السلام، ولإيضاح هذا الوجه لنفرض أن اثنين من التجار ورَّثوا أبناءهم كل ما تعلق من تجارتهم من أموال وأفكار وطرق، فورث أبناء


الصفحة التالية
Icon