وكون الحروف المقطّعة شعار هو فهم بعض التابعين، ومن قال من العلماء هي افتتاح كلام، كأبي عبيدة معمر بن المثنى عندما قال عنها: "افتتاح، مبتدأ كلام، شعار للسورة" (١)، وهو الوجه الصحيح للقول بأنها أسماء للسور، فالأسماء والشعار حكمها واحد في اللغة. وكذلك الوجه الصحيح للقول بأنها أسماء اختص القرآن بها، وكذلك أسماء اختص بذكرها رب العزة والجلالة، وليست أسماء للقرآن أو لله تحت أي اعتبار، قال الزمخشري: "ولبني فلان شعار: نداءً يعرفون به" (٢)، وهذه الحروف اختص بها القرآن واختص بها المسلمون، ومن هذا الفهم قول شريح بن أوفى العبسي بعدما قتل محمد بن طلحة في وقعة الجمل، وكان ابن طلحة يقاتل حزب علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم جميعا -

يُذَكِّرُنِي حَامِيمَ وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ فَهَلا تَلا حم قَبْلَ التَّقَدُّمِ (٣)
(١) مجاز القرآن ج١ص٢٨، وقد سبق أنه قول مجاهد والحسن البصري وأبي روق وقطرب والأخفش والمبرد وهو اختيار النحاس.
(٢) أساس البلاغة مادة ش ع ر.
(٣) البيت ذكره البخاري في الصحيح تعليقا (١٢٦/ ٦) عند تفسير سورة المؤمن (غافر)، ونسبه لشريح كما فعل أبو عبيدة في مجاز القرآن (١٩٣/ ٢)، وهناك خلاف على نسبته ذكره ابن حجر في الفتح (٥٥٤/ ٨) وابن عبد البر في الاستيعاب (١٣٧٣/ ٣) وابن الأثير في أسد الغابة (١٠٢/ ٥)، وذكر ابن الأثير في الكامل في التاريخ (١٣٧/ ٣) سبب الخلاف وأنه اجتمع عليه أكثر من واحد وكل ادعى قتله، وقال محمود شاكر في تحقيق الطبري (٣٤٨/ ٢١) أنه من قول شريح كما قال البخاري. وقال ابن حجر في الفتح (٥٥٥/ ٨): "ذكر الحسن بن المظفر النيسابوري في (كتاب مأدبة الأدباء) قال: كان شعار أصحاب علي يوم الجمل حم، وكان شريح بن أبي أوفى مع علي، فلما طعن شريح محمداً قال حم، فأنشد شريح الشعر. قال: وقيل بل قال محمد لما طعنه شريح (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله) فهذا معنى قوله "يذكرني حم" أي بتلاوة الآية المذكورة لأنها من حم." وأظنه - أي النيسابوري- وهم في الفهم كما وهم في الرواية، فالشعار كان كلاماً من ابن طلحة وجاء الرد من شريح، والشعر يروي عن نفسه.


الصفحة التالية
Icon