وهي الأمية، فلم يتكلم فيها الرسول - ﷺ - إلا بظاهرها ومعناها، ولم يتأولها، لأن عدم تأويلها كان إحدى دلائل الإعجاز على صدقه، أما تعنت المشركين وعدم حديث الصحابة عنها فسيظهر في بيان حقيقة الإعجاز لكون النبي - ﷺ - أمي ويقرأ هذه الحروف، وسيظهر في بيان الآية التي حملت تلك المعاني في فواتح السور كما سأبين في نهاية الكتاب إن شاء الله لتبقى محفورة في أذهاننا، لأن الصورة لا تكتمل إلا بعد اكتمال أركانها، ومن هذه الأركان بيان الإعجاز في نظم هذه الحروف وما حملته من علم.
فهذه الآيات إذن ظاهرة بينة، إلا ما تعذر فهمه من كلمات، وبفهم الآيات نفهم السور وأسباب نزولها، ولو قرأنا أسباب النزول كما أوردها من جعلها المفتاح لفهم الآيات لما أفادت بشيء في التفسير- هذا مع الإقرار بفائدتها كآثار تدل على علم عظيم كما تدل عليه كل الأحاديث- وقد قالوا في أسباب تنزيل سورة القلم (ن): "عن عائشة قالت: ما كان أحد أحسن خلقاً من رسول الله - ﷺ -، ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال لبيك، ولذلك أنزل الله عز وجل ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ﴾ (١). قوله عز وجل ﴿وَإِن يَكادُ الَّذينَ كَفَروا﴾ الآية: نزلت حين أراد الكفار أن يعينوا رسول الله - ﷺ - فيصبوه بالعين، فنظر إليه قوم من قريش، فقالوا: ما رأينا مثله ولا مثل حججه، وكانت العين في بني أسد، حتى إن كانت الناقة السمينة والبقرة السمينة تمر بأحدهم فيعينها ثم يقول: يا جارية خذي المكتل والدرهم فأتينا