الله - ﷺ - " (١)، فكان القرآن بذلك متعالياً على البشر جميعاً، ومنهم العرب أصحاب هذه الحروف، لكي لا ينسبوه لأنفسهم تأليفاً ونظماً، فلو أن القائل لم يكن له الأمر من قبل ومن بعد، لجاء فيه الأمر صراحة بالكتابة على حروفهم، وجاء فيه إصلاح ما فيها من عيوب لا تخفى على أهل ذلك الزمان أو هذا الزمان، ليتم بذلك تنظيم الكتابة لأعظم كتاب كتبه البشر بأيديهم، ولو أتى الأمر بكتابته فسيكون شرعاً متبعاً ولا سبيل لمخالفته، بل ستنتفي بذلك معجزة الأمية عن رسول الله - ﷺ - بما يقابلها من ضد الأضداد، فسيكون أعلم الناس بها، لأن في لسانه بيان مقاصد الشرع، وليس بين الناس من هو أعلم بالشرع منه، وسيكون أعلم أهل الأرض بالكتابة وعلومها.
إذن كيف يتم العهد بالحفظ في الصدور إن لم يحفظ في السطور كما أمر الشارع أن يكون؟ هل تُرك الأمر لمن يكتب الوحي، كلٌّ على ما يرى من أسس الكتابة؟ أم نزل في هذا القرآن ما يُلزم الكاتب إتباعه وعدم مخالفته؟ وكيف يتم بيان هذا الكتاب لباقي الأمم باللفظ والكتابة وهم لا يعرفون ألفاظنا وحروفنا؟ هل ترك التفصيل فيها للمبلّغين بعد الرسول - ﷺ - كلٌّ على ما يرى من أساليب البيان؟ أم ألزم القرآن أتباعه بقواعد للبيان الذي لا لبس فيه؟ وإن كان هذا الأمر قد أتى ولم يعلمه رسول الله - ﷺ -، فكيف نقله إلى البشر ولم يبينه بجملة واضحة بينه؟ أقول: انظر

(١) رواه الإمام أحمد (١٣/ ١) والبخاري (٧٤/ ٩) والترمذي (٢٨٣/ ٥) وابن أبي داود في المصاحف (ص٥٣) والنسائي في الكبرى (٧/ ٥) وفي فضائل القرآن (ص٧٤) وعبد الرزاق في التفسير (٢٤٩/ ١) وابن حبان (٣٥٩/ ١٠) والقاسم بن سلام في الفضائل (ص٢٨٣) وأحمد بن علي المروزي في مسند أبي بكر (ص٩٦) والطبراني في الكبير (١٤٦/ ٥) والبيهقي في الدلائل (١٤٩/ ٧) وفي السنن (٤١/ ٢) وأبو يعلى (٦٦/ ١) والفسوي في المعرفة والتاريخ (٤١٠/ ١) وأبو عمرو الداني في المقنع (ص١٥) من حديث زيد بن ثابت، وفي رواية عند البخاري (١٨٣/ ٦) وابن أبي داود في المصاحف (ص٥٢) وابن حبان (٣٦٤/ ١٠) والطحاوي في مشكل الآثار (٣٠٥/ ٥) بلفظ "كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله - ﷺ - "، ورواه البيهقي في الشعب (٣٣٩/ ١) والطيالسي (ص٣) بلفظ "كيف نفعل"، ورواه أبو عمرو الداني في المقنع (ص١٣) بلفظ "كيف نصنع بشيء لم يأمرنا فيه رسول الله بأمر، ولم يعهد إلينا فيه عهدا".


الصفحة التالية
Icon