لفواتح السور وستعلم أين جاء الأمر بالكتابة وعلى أي حرف، وكيف ألزم الناس على اتباع أشرف الأسس في الكتابة، وأبلغ الطرق في التبليغ والبيان، فكانت هي القواعد البينة، وكان تأويل الرسول - ﷺ - لها بما آتاه الله من تأويل لقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ فأمر - ﷺ - بتلاوتها كما جاء الأمر للقرآن كله بقوله (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله عشر حسنات) وأمر بكتابتها - كما هو الأمر للقرآن كله - على هيئة المسميات بقوله (لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف) أي أن الحرف يمثل كلمة واحدة، وفي هذا النص حث على التدبر فيها وإن لم نعلم تأويلها، فكانت تحوي ما هو أبلغ مما حمل غيرها من المعاني. وقد علمنا أنه جاء فيها أبلغ الردود على أدق الشبهات الباطنة في قلوب العرب في ذلك الزمان - كما هي في هذا الزمان - وزاد على ذلك بأن جاء فيها من الدلالات المعجزة للبشر، لاتباع ما جاء فيها من غير مجال للحيد عنه من دون أدنى تصريح، وأعطت أبلغ الإشارات على أسباب حفظ القرآن بالسطور، لتتم الغاية من حفظ معانيه وألفاظه كما نزلت من غير زيادة أو نقصان، ولم تقتصر على ذكرها من غير إعجازٍ لقدرة البشر عن الإتيان بمثلها، فكان فيها إعجازا للعرب في دقة معانيها وبيان الغاية منها، كما في القرآن من إعجاز في نظمه وبلاغته ودلالات معانيه، ولو لم يعجز المشركون العرب عن الرد عليها، لما عجز علماء العربية عن تأويل معانيها بما يتوافق مع سمو الإعجاز الإلهي في نظم القرآن، ليعلم البشر كلهم بأن هذا الكتاب يحوي كلام الله، وهو عربي اللغة من جهة، وإلهي المبدأ والمنتهى بإعجازه العرب من جهة أخرى.
والسؤال هنا: كيف كان لذكر الحروف المقطّعة في فواتح السور أثر وسبب في حفظ القرآن وحمايته من التحريف؟