الباب الأول: دلالات الإعجاز وأوجه التوافق مع فهم القرآن بحسب أصول التفسير
هذه الدلالات ترتبط مع إشارات الإعجاز في الحروف المقطّعة، وترتبط مع فهم القرآن بالقرآن والسنة، ومع فهم السلف الصالح وما في أصول التفسير من قواعد، من عدة وجوه أُبَيُّنها فيما يلي:
الوجه الأول: أن أول ما نزل من فواتح السور ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ وهي كما قال مجاهد وقتادة: يعني: وما يكتبون (١)، وقد استدل علماء اللغة بهذه الآية على أن الرسم العثماني للقرآن توقيفي، ولا يجوز مخالفته بحرف واحد، ولسنا بصدد البحث في استدلالهم هنا، بقدر ما نستشهد بذكر السطر والكتابة بعد الحروف كما فعل أهل العربية، هذا أولاً، ولكون الثابت بدلالة النص موقوف على ما ثبت بمعاني النظم ثانياً، وهي الحروف الكتابية.
الوجه الثاني: أنه داخل في بيان القرآن كما في قوله تعالى ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩) القيامة﴾ والقارئ لكتاب الله يجد في هذه الآيات تعهدا من الله بأمرين، هما: جمع التنزيل، وجعله قرآناً ليقرأه الناس إلى أبد الآبدين. وجمعه يكون في صدر رسول الله - ﷺ - كما قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ﴾ "قال: جمعه في صدرك، ثم تقرأه،." (٢) وجعله قرآناً يكون بتأليفه كما "قال قتادة في قوله نعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا

(١) رواها عنهما ابن جرير (٥٢٨/ ٢٣) بأسانيد صحيحة، وإن كان البعض يؤول "وما يسطرون" بالملائكة فهذا لا يصح لحديث أول ما خلق الله القلم، وقد سبق ذكره وبيان أنه لم يأت تفسيراً لهذه الآية.
(٢) الحديث في المسند عند الإمام أحمد وعند البخاري ومسلم في الصحيح وقد سبق تخريجه.


الصفحة التالية
Icon