على حرف قريب من الواو في العربية مثلاً، ومن هنا انطلقت الكتابة بالحروف أو الرموز، فأصل الحرف هو ما دل على لفظ معين، واكتسب به الحرف اسماً له، فنكتب (ب) لتدل على خروج الصوت من الفم باستعمال الشفتين وذلك بإطباقهما مع التشديد في الإطباق وكأنهما تغرسان ببعض حتى ينقطع النفس ليتكون الصوت داخل الفم حابساً إياه عند باب الفم مما يلزم اضطراب المخرج لسماعه مع خروج النفس، ويلفظ بحسب ما قبله وما بعده من حروف (بِه بَه بُه) ونطلق على هذا الحرف اسم (باء). ويكتب هذا الحرف على صورته إن جاء في كتابة الكلمات، وعلى صورة اسمه إن جاءت لذكر الحرف بذاته، وقد سميت هذه الحروف بحروف الهجاء، ومن ثم جاء اختراع الأبجديات عند الفينيقيين، ونقلوها لليونانيين وغيرهم من الأمم، ووصفت بحروف المباني التي يبنى عليها رسم الكلام. وفي فواتح السور كتبت الحروف على صورة لفظها (الم) ولم تكتب بأسمائها (الف لام ميم) كما هو الحال في الأبجدية، وتلفظ بحسب أسمائها لا على هيئة لفظها فنقول (ألف لام ميم) ولا نقول (ألم من الألم) فغايرت بذلك المعهود في الكتابة، للدلالة على شيء خاص في كتابة هذا الكتاب، وهذا الشيء هو الدليل على الاختلاف بين هذا الكتاب وغيره من الكتب، والاختلاف بين قواعد الكتابة فيه وغيره من الكتب، ونحن نعلم بأن الحروف لا تلفظ بأسمائها إلا للتعليم، والتعليم فيها إن كان مقصوداً فلا يحمل على ألفاظها، بل على كتابتها كونه الأبلغ في الدلالة وما يتناسب مع الوحي الإلهي.
(فائدة: في لفظ الحروف العربية "إن قيل: لم قالوا: ها يا، ولم يقولوا في الكاف: كا، وفي العين: عا، وفي الصاد: ص، لتتفق المباني كما اتفقت العلل؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري، فقال: حروف المعجم التسعة والعشرون تجري مجرى الرسالة والخطبة، فيستقبحون فيها اتفاق


الصفحة التالية
Icon