الألفاظ واستواء الأوزان، كما يستقبحون ذلك في خطبهم ورسائلهم، فيغيِّرون بعض الكِلَم ليختلف الوزن وتتغيَّر المباني، فيكون ذلك أعذب على الألسن وأحلى في الأسماع." (١))
الوجه السادس: إنّ علماء البلاغة ذكروا في معرض تفصيلهم لهذه الحروف أنها تمثل نصف الحروف العربية، كما قال الباقلاني في إعجاز القرآن: "وجملة ما ذكر من هذه الحروف في أوائل السور من حروف المعجم نصف الجملة، وهو أربعة عشر حرفاً، ليدل بالمذكور على غيره، وليعرفوا أن هذا الكلام منتظم من الحروف التي ينظمون بها كلامهم." (٢)، وهذه ليست الغاية والقصد، بل إشارة على أن الحروف في أصلها مثلت كتابة صوت الإنسان أو ما اصطلح عليه بالصوتات، وكلنا يعلم بأن الأبجدية العربية فيها ثمانية وعشرون حرفاً من غير (لا) وتمثل الحروف الصوتية للسان العرب، وكانت قبل التنقيط كما في أصلها تمثل صوتات العرب من غير دلالة على التغيير في لفظها، ومن غير تغيير في حدة الصوتة التابعة لها عند الكتابة، أما في القراءة فتتبع التغيير في حدة الصوت، أو بالأحرى كانت هناك حروف كتابية وتسمى الحروف المعجمة (أي المبهمة) وحروف صوتية وتسمى حروف الهجاء (أي حروف القراءة) (٣)، ولذلك كانت تكتب الباء والتاء والثاء والنون و (الياء في وسط الكلمة) برسم واحد وحرف كتابي مبهم واحد، ويتغير مع شدة الصوْتَه ليمثل هذه الحروف الصوتية عند القراءة، وكذلك الجيم والحاء والخاء. ومن بحث في أصل الكتابة العربية يجد اختلافاً واضحاً بين الحروف وأصلها في الحروف
(٢) إعجاز القرآن ص٦٦، مع التحفظ على تسميتها حروف المعجم، فهي نصف عدد حروف الهجاء لا المعجم كما سبق.
(٣) جاء في لسان العرب - مادة هجا (٣٥٣/ ١٥): قال "أبو زيد: الهِجاءُ القِراءَة، قال: وقلت لرجل من بني قيس أَتَقْرَأُ من القرآن شيئاً؟ فقال: واللهِ ما أَهْجُو منه حَرفاً؛ يريد ما أَقْرَأُ منه حَرْفاً." وأبو زيد هو سعيد بن أوس الانصاري النحوي (ت٢١٥هـ) احد شيوخ سيبويه ومن مراجع اللغة في عصره، انظر أخبار النحويين لأبي طاهر المقرء وانظر تهذيب الكمال (٣٣٠/ ١٠).