القرآن من غير زيادة أو نقصان، وأمر الرسول - ﷺ - أصحابه بتعاهد القرآن بحفظه في الصدور وكتابته وتدوينه، بل وأمر بعدم كتابة شيء من كلامه مع القرآن، وفي الحديث "لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه" (١)، فكتب الصحابة القرآن على حروف العربية وحدها في عهد النبي - ﷺ -، وجمعوه في عهد أبي بكر في مصحف بمكان واحد، متفق على أن مجموعها هو القرآن لا زيادة عليه ولا نقصان، أما ما سواه من الصحف وإن حوت كلام الله إلا أنها بالمجمل لا تمثل القرآن كاملاً، ومن ثم جعلوه في كتاب واحد، بخط واحد ورسم واحد ونسخة موحدة ومدققة على أساس القراءات المأخوذة من رسول الله - ﷺ -، وجامعة وشاملة للهجات العرب السائدة في ذلك الزمان، وقاموا بنسخه وتوزيعه، ومما هو معلوم في الدين بالضرورة "إن أبا بكر الصديق أول من جمع القرآن في المصاحف حين قتل أصحاب اليمامة، وعثمان الذي جمع المصاحف على مصحف واحد." (٢) وهم رضوان الله عليهم من سمعه، وهم من كتبه، وهم من جمعه، وهم من جعلوه كتاباً، وهم من نسخه ووزعه، وهم من شهد بأن هذا هو التنزيل الحكيم، وقد "أجمع على كتابة المصاحف العثمانية اثنا عشر ألفاً من الصحابة رضي الله عنهم" (٣)، فتمت مهمتهم (رضي الله عنهم). وهذا كله مما أمروا به لتعاهد القرآن بحفظه وقراءته والعمل به، بل والعمل على بيانه ونشره وعدم الاشتغال بغيره من الكتب، ولكن استعمال الحرف العربي دون سواه من الحروف في كتابة القرآن لم يأمرهم به أحد، ولا يحتاج إلى أمر، فالأصل في الكتابة راجع للغة القوم وما عرفوه أصلاً من حروف كانت لهم في ذلك الزمان، فلا يعقل أن يُأمروا بكتابة شيء من دون إمتلاكهم تلك الحروف، ولكن ماذا لو قال قائل في وقتهم أو في أي وقت آخر: هل يجوز كتابة القرآن بحروف غير العربية؟ وهي بحد ذاتها صنعة وتطور لما سبقها من حروف وأبجديات؟ والسؤال هنا عن جواز استعمال غيرها من الحروف إن أعطت اللفظ حقه؟ - وما هي الحروف إلّا تمثيلاً للكلام من أول ظهورها إلى الآن - وأقول لم يأخذوا الأمر بعدم استعمال الحروف الأخرى من أحد، ولا نحن أخذنا به واتفقنا عليه إلا من فواتح السور، فإن كانت النون، والصاد، والقاف، وألف لام ميم، وحا ميم، وكاف ها ياء عين صاد مثلت كلمات من القرآن، ولها أحكام الكلمات، وهي ممثلة لحروف من العربية برسم أصيل واحد في الكتابة، فهل يستقيم استعمال حرف آخر في كتابتها مما يلزم زيادة في الكتابة على النطق حرفاً أو حروفاً فتصبح في الكتابة مجموعاً لحروف؟ والجواب قطعاً لا؛ لأنه أصل التحريف، حتى لو كان من الكاتب بقصد الاحتفاظ به لنفسه لتسهيل قراءته.
(٢) المقنع في رسم مصاحف الأمصار، ص١٨
(٣) تاريخ القرآن الكريم للكردي، ج١ ص ١٠٦