وكانت من أول ما نزل من القرآن، ووقف على بدء فقد أغنانا ذكر البعض من الحروف عن بيان السور المرادة لأنها أسماء للسور، وهذا من أعاجيب البلاغة، وهو من الأقوال المشهورة بأن فواتح السور أسماء لها، ولكن من غير تعميم فليست هي الغاية، فلنقرأ قول الله (ن والقلم وما يسطرون)، (ص والقرآن ذي الذكر)، (ق والقرآن المجيد)، ولنقرأ ما قاله المفسرون في محاولاتهم الجليلة لبيان معاني القرآن اعتماداً على اللغة وأقوال السلف، لنجد أنه ما من أحد منهم ينكر بأن الله أقسم بالقرآن في هذه الآيات وغيرها من المتبوعة بقوله تعالى (والقرآن)، هذا من ناحية التأويل بالمعنى (١)، أو من ناحية الإعراب (٢)، والاختلاف حاصل فيما سواه، كمقام الحرف الأول (ص، ق، ن) من ابتداء الكلام أو من القسم وجواب القسم، وذكر الرازي بعض وجوه الخلاف وقال: "فالأول: أنه مفتاح أسماء الله تعالى التي أولها صاد، كقولنا صادق الوعد، صانع المصنوعات، صمد، والثاني: معناه صدق محمد في كل ما أخبر به عن الله، الثالث: معناه صد الكفار عن قبول هذا الدين، كما قال تعالى: ﴿الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله﴾ [النحل: ٨٨]، الرابع: معناه أن القرآن مركب من هذه الحروف وأنتم قادرون عليها ولستم قادرين على معارضة القرآن، فدل ذلك على أن القرآن معجز، الخامس: أن يكون صاد بكسر الدال من المصادة وهي المعارضة ومنها الصدى وهو ما يعارض صوتك في الأماكن الخالية من الأجسام الصلبة، ومعناه عارض القرآن بعملك فاعمل بأوامره وانته عن نواهيه، السادس: إنه اسم السورة والتقدير هذه صاد، فإن قيل ههنا إشكالان أحدهما: أن قوله: ﴿والقرءان ذِى الذكر﴾ قَسَم وأين المقسم عليه؟ والثاني: أن كلمة (بل) تقتضي رفع حكم ثبت قبلها، وإثبات
(٢) قال أبو البقاء العبكري في "التبيان في إعراب القرآن" (١٠٧٨/ ٢): " ﴿وَالْقِرَانِ﴾: قَسَمٌ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ ".