حكم بعدها يناقض الحكم السابق، فأين هذا المعنى ههنا؟ والجواب: عن الأول من وجوه، الأول: أن يكون معنى صاد، بمعنى صدق محمد - ﷺ -، فيكون صاد هو المقسم عليه، وقوله: ﴿والقرءان ذِى الذكر﴾ هو القسم، الثاني: أن يكون المقسم عليه محذوفاً، والتقدير سورة (ص والقرآن ذي الذكر) إنه لكلام معجز، لأنّا بيّنا أن قوله ﴿ص﴾ تنبيه على التحدي، والثالث: أن يكون صاد اسماً للسورة، ويكون التقدير هذه ص والقرآن ذي الذكر، ولمّا كان المشهور، أن محمداً عليه السلام يدعي في هذه السورة كونها معجزة، كان قوله هذه ص جارياً مجرى قوله: هذه هي السورة المعجزة، ونظيره قولك هذا حاتم والله، أي هذا هو المشهور بالسخاء، والجواب عن السؤال الثاني: أن الحكم المذكور قبل كلمة ﴿بَلِ﴾ أما ما ذكره المفسرون كون محمد صادقاً في تبليغ الرسالة أو كون القرآن أو هذه السورة معجزة والحكم المذكور بعد كلمة ﴿بَلِ﴾ ههنا هو المنازعة والمشاقة في كونه كذلك فحصل المطلوب، والله أعلم." (١)، ويقول الشوكاني: "وقيل: إن قوله: ﴿ص﴾ مقسم به، وعلى هذا القول تكون الواو في ﴿والقرءان﴾ للعطف عليه، ولما كان الإقسام بالقرآن دالاً على صدقه، وأنه حقّ، وأنه ليس بمحل للريب قال سبحانه: ﴿بَلِ الذين كَفَرُواْ فِى عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ " (٢)، ويقول الشنقيطي: "اعلم أن العلماء اختلفوا في تعيين الشيء الذي أقسم الله عليه في قوله تعالى: ﴿والقرآن ذِي الذكر﴾، فقال بعضهم: إن المقسم عليه مذكور، والذين قالوا إنه مذكور، اختلفوا في تعيينه، وأقوالهم في ذلك كلها ظاهرة السقوط... والذي يظهر صوابه بدليل استقراء القرآن: أن جواب القسم محذوف وأن تقديره ﴿والقرآن ذِي الذكر﴾ ما الأمر كما يقوله الكفار" (٣)، وهو ما اختاره إمام المفسرين الطبري
(٢) فتح القدير (٤١٩/ ٤) تفسير سورة ص
(٣) أضواء البيان (٣٢٧/ ٦) تفسير سورة ص