الأول: وهو ما قد أسلفت بالذكر أن هذه الحروف قد اشتملت حروف الكتابة عند العرب في ذلك الزمان، ولم يذكر بينها حرف (الواو) لسببين: الأول أنه من الحروف الدالة على معنىً مضمر إن كتب قبل الكلمات في بعض الأحيان، كما يكتبه البعض بقوله (وكتب) وهو دال على تعظيم الكاتب أو الإملاء من غيره أو تأكيداً على أن الكاتب هو الفاعل للكتابة، ولذلك لا يستقيم ذكره في بداية التنزيل لهذا السبب، والسبب الثاني أنه استعيض عنه بذكره بعد الحروف في مواطن عديدة، وأفاد القسم كما جاءت (ن والقلم)، (ص والقرآن)، وهو من الدلالات الخاصة بهذا الحرف أيضاً. وعليه فقد دلت هذه الحروف على أنها حروف هجاء كتابية موضوعة لمن كتب القرآن. ولو قال قائل: هذه فرضية صحيحة بحسب ما نعلم، وقد يكشف الوقت ما هو عكسها وانفردت بذكرها عن غيرك، فأقول: هذا من حقك، ولكننا نعلم أن كل الفرضيات قامت على وجود النتائج أو الحقائق وشرعت بفرض المعطيات وعلاقاتها مع النتائج، مثلاً قانون الجاذبية قام على تفسير ميل الأجسام للسقوط نحو الأرض وهي النتيجة، فأتت الفرضية لتثبت التناسق بين النتيجة وعلاقتها مع هذه المعطيات، فإن ثبت التناسق بين النتائج والفرضيات وما فيها من معطيات قلنا بأن هذا هو القانون، وإن زعم البعض بأن هذه القوانين قامت على التجريب وهي معرضة للتغيير، قلنا هذا صحيح ولكن حتى لو تغير بعضها فعلاً بحسب المعطيات العارضة، إلا أن هذه الفرضيات بقيت صحيحة ضمن معطياتها، ومن غيرها لما عرفنا أنها تتغير بتغير المعطيات الطارئة، كذلك الأمر في كل ما نفرض.
الثاني: لا يختلف اثنان على أن هذه الحروف قد نصفت صفات الحروف عند العرب، مهموسها ومجهورها وشديدها ورخوها والمطبق منها والمفتوح كما المستعلي والمنخفض، وهي ثمان صفات، وكل صفة لها عكسها أو ضدها، وكل حرف لا بد أن يحمل أربع صفات منها، ومجموعها في الحرف يمثل صفة الحرف اللازمة لمعرفة لفظه، فهل هذا التخصيص له دلالة؟ أقول


الصفحة التالية
Icon