بها حجة المجادل في آيات الله، فآيات الله لا تحصى حتى يقف عند إحداها مجادلاً في تأويلها، هذا هو الاحتمال المرجوح بمجمل القرآن، أما الاحتمال المستحيل فلا يقول به إلا سفيه جاهل بأصول الكلام. وهذا الأصل هو دليل لنا - لا علينا في الأصل- على من قال في معاني الحروف قولا غير الأصل فيها، وهو الظاهر بعبارة النص، لأن الاحتمالات الأخرى ليست سوية وبعيدة ولا تستوي مع المعنى الظاهر كاحتمال سوي.
ولعلّ القائل يقول قد آمنا بأنها ذكرت بنسق ولها دلالة أكيدة، ولم تأت بشكل عشوائي في اختيارها لتدل على صفات الحروف، ولكن ما من دلالة على شيء إلا لفائدة، فما الفائدة من هذه الدلالة؟ أقول: معرفة صفات الحروف هو أصل المعرفة بألفاظها، كما هو أصل بناء الحروف في كل اللغات، وقد علمنا بأنه ما من لغة في العالم إلا وتتغير، إما بتغيّر ألفاظ حروفها، أو بتغيّر معاني كلماتها، أو بسقوط إعرابها ومتانة نظمها، وبما أن القرآن يُنقل باللفظ للحروف والكلمات وما تحمله من معاني بالمطابقة مع الكتابة، وهذا لن يتم إلا بحفظ ألفاظه حرفاً حرفاً وكلمة كلمة كما تحفظها الكتب في رسمها وشكل كتابتها، وما من سبيل لحفظ ألفاظ حروفه إلا بمعرفة مخارجها الأصلية، ومخارج الحروف مبنية على الصوتات الخارجة من الفم باتفاق الجميع، ولن تتم معرفة المخارج إن لم نعرف صفة الصوت الخارج (أي ما هي صفات الحروف) وقد يظن الجاهل أن القرآن يتم تناقله باللفظ والكتابة بمجرد التناطق والسماع، وليس كذلك، بل قامت على تسليمه باللفظ علوم جليلة تعنى بصفات الحروف ومخارجها، ولم تقف عند هذه الصفات الرئيسة بل تعدتها لما هي من صفات الحروف الدقيقة، وبحسب هذه العلوم المتفق عليها بين المسلمين لا يُسلّم لأحد بأنه تلقى القرآن مشافهة إلا بإتقانه مخارج الحروف حرفاً حرفاً بناء على صفاتها، وما يلزمها بحسب صفاتها من مقدار للنفس في كل صوتة تخرج بحرف من حروف القرآن، كما قرأه الرسول - ﷺ - وكما قرأه العرب على أصل حروفهم في زمن


الصفحة التالية
Icon