القول على رسول الله - ﷺ - بما لا يليق، ومنهم من قال فيها بحسب ما تقتضيه اللغة من عدة وجوه وشرح ظاهرها فقط، وبعضهم تجرأ على الله وقال: "ذلك أن كفار قريش قالوا للنبي - ﷺ - في يونس: ﴿ائت بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا﴾، ليس فيه ترك عبادة آلهتنا ولا عيبها، ﴿أوْ بَدِّلْهُ﴾ [يونس: ١٥] أنت من تلقاء نفسك، فهمّ النبي - ﷺ - أن لا يسمعهم عيبها رجاء أن يتبعوه" (١)، فأنى لرسول الله - ﷺ - وهو الصادق الأمين أن يضيق صدره بما يحمل من وحي وهو غاية الرسالة، وعماد الدين، وقصد التوحيد، ومن قال بهذا القول فكأنما ألغى كلمة (بعض) من الآية وجعلها (فلعلك تارك ما أوحينا إليك). وقد كانت هذه الآية من أعظم الآيات الدالة على معجزة الرسول - ﷺ -، بل وفيها من الأمثال ما لا يستطيعه بشر، والله لو تدبرناها حق التدبر لوجدناها تحمل من المعاني ما لا نستطيع قوله أو كتابته، ولبيان بعض ما جاء فيها نأخذ الأصل اللغوي في النظم كما أورده صاحب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور بقوله: "قال تعالى مسبباً عن ذلك ناهياً في صيغة الخبر: ﴿فلعلك تارك﴾ أي إشفاقاً أو طمعاً ﴿بعض ما﴾ ولما كان الموحى قد صار معلوماً لهم وإن نازعوا فيه بنى للمفعول قوله: ﴿يوحى إليك﴾ كالإنذار وتسفيه أحلام آبائهم ﴿وضائق به﴾ أي بذلك البعض ﴿صدرك﴾ مخافة ردهم له إذا بلغته لهم؛ ثم علل ذلك بقوله: ﴿أن﴾ أي مخافة أو لأجل أن ﴿يقولوا﴾ تعنتاً ومغالبة إذ لو كانوا مسترشدين لكفتهم آية واحدة ﴿لولا﴾ أي هلا ولم لا ﴿أنزل عليه كنز﴾ يستغني به ويتفرغ لما يريد، وبنوه للمفعول لأن المقصود مطلق حصوله وكانوا يتهاونون بالقرآن لعلمهم أنه الآية العظمى فكانوا لا يعدونه