الغيور على طلبته، إذا بلغ الجهد منه أن يفعل المستحيل لتعليم تلاميذه، وهم بين شارد للذهن وغائب عن الحضور، وبعد هذا يطالبونه بمعرفة علم من العلوم لا سبيل له لتحصيله لمانع أصيل فيه، كمن يطالب معلم العربية بتدريس الإنجليزية لزعمه أنها لغة العصر، والمانع الأصيل هو المنهج المتبع في الدراسة، وليس من سبيل لمخالفته بمجرد طلبٍ من السفهاء من الطلاب، لكونه مؤصّلاً بل قانوناً من إدارة التعليم، فإن رفض فتجد منهم القائل عندنا أموال لا تأكلها النيران فمالي وهذا العلم، وقائل أبي في منصب يضمن لي مستقبلي فمالي وهذا العلم، وبهذا لا يكون تطمين المعلم إلا ببيان الغاية من وجوده وبيان السبيل لمن كان كيّساً فطناً من تلاميذه. وفي هذا يكون البيان بأن العلم الذي نزل به القرآن وضمنه الله بحفظه، سيكون لهم به شأن كبير، وسيكون لهذا الكتاب نبأ عظيم بهذه اللغة وإن كانت حروفها بسيطة، فهذه الحروف ستكتب عربية وستقرأ عربية وستبقى عربية ما بقي القرآن على كل لسان من العرب وغيرهم من الأمم، فقد تكلم الله بها وترديدها من البشر عبادة، وسيكون لها شأن كما للقرآن من شأن، والله على كل شيء وكيل إذ مطلق الاتكال عليه وحده ولا يكون على سواه. وبعد هذه الآية تحدّى الله المشركين بإعجازهم عن الإتيان بما يشبه القرآن بقوله تعالى ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٣)﴾ ومن يقرأ تمام السورة يرى تناسق الإشارات والدلالات لإظهار فكرة الإعجاز في لغة القرآن وبيانه، والوعيد لمن كفر به بالعذاب الأليم كما في قوله تعالى بعدها بآيات ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ مع تطمين الرسول - ﷺ - في تمام الآية بقوله تعالى ﴿فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (١٧)﴾.


الصفحة التالية
Icon