(حكمة: عجبت من مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية وكان بطلاً، شجاعاً، داهيَةً، رزيناً، جبَّاراً وكان مهيباً، شديد الوَطْأَةِ، أَديباً، بليغاً، له رسائل تؤثر. (١) عندما كان في محنة انتهاء الخلافة الأموية قال: " أيام القدرة وإن طالت قصيرة والمتعة بها وإن كثرت قليلة، وعرض بظاهر الحيرة سبعين ألف فارس عربي ثم قال إذا انقضت المدة لم تنفع العدة، وكان يقول: كنزنا الكنوز فما وجدنا كنزاً أنفع من كنز معروف في قلب حر." (٢) فلم ينفعه مال موروث ولا سلطة موروثة والتمس المعروف في قلب الأحرار، ولو تنبه كل من هو في حاله لما وجدت حال الأمة على ما هي عليه الآن.)
وبعد هذا البيان هل يُعقل أن يرد المشركون ولو بكلمة واحدة؟ وهل يُعقل أن يسأل أصحاب الرسول نبيهم - ﷺ - عن الذي ضاق به صدره؟ ولماذا؟ وهم يعلمون أن من معجزاته كونه أمّي، ولا يعلمون الشبهة التي حاكها المشركون بالباطن، وقد كانوا - رضوان الله عليهم - لا يشبعون من النظر إلى وجهه الكريم إجلالاً له، كما في حديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه- "ما كان أحد أحب إليّ من رسول الله - ﷺ - ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه" (٣)، لهذا السبب لم يسأل عنها الصحابة ولم يتكلموا فيها، بل علموا أن فيها بياناً كما دل عليه أصلها، وكما بينه الرسول - ﷺ - بقوله ألف حرف ولام حرف وميم حرف، أي هذه حروف الكتابة قالها ربكم وبلغتها لكم، فاتلوها وتدبروا ما بها من علم، ولكم الأجر بقراءتها وتدبرها والعمل بها، فكفاها شرفاً أنها حملت كلام الله، وسيكون لكم شأن إن تعلمتم وكتبتم بها كما أمر الله.

(١) كما قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء (٧٤/ ٦)، وكان معلمه الجعد بن درهم المبتدع الزنديق.
(٢) الإعجاز في الإيجاز للثعالبي، ص٧٥ - أقوال مروان بن محمد.
(٣) من حديث رواه مسلم (١١٢/ ١) من كلام عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قبل موته.


الصفحة التالية
Icon