ومن ظنّ أن هذه الغاية ما دارت عليها كل السور ذوات الحروف المقطّعة، فليرجع لها ولينظر في قصة أصحاب القرية الذين ورثوا المال في سورة القلم، وعجب الكافرين أن الرسول منهم في سورة ق، وقصة داود وسليمان في سورة ص، وفيها يتمثل الإرث من الملك العادل الحكيم ذو السلطة لابنه ووريثه في الملك سليمان عليه السلام، واقرأ سورة مريم وقوله تعالى ﴿كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (٣) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦)﴾ "وليس المراد هنا: وراثة المال، بل المراد: وراثة العلم والنبوّة والقيام بأمر الدين وقد ثبت عن نبينا - ﷺ - أنّه قال: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة» " (١) واقرأ الحواميم واقرأ يس وطه وكل (الم) وتوقف على المعاني وتدبر كلام الله (ورتل القرآن ترتيلا).
وتدبّر توجيه الكلام في الآيات لرسول الله - ﷺ - وما كان من حاله، فلو كان أُمِّيًّا ولا يعرف الحروف، وكان يدّعي النبوة لما كان سيتلوها لبساطة معانيها على الظاهر من غير ذكرٍ لدلالاتها، ولو بإشارة على ما فيها من أسرار (٢)، ولو كان يعرف الكتابة أو تعلمها بالسر، وكان محيطاً بكل ما ذكر في القرآن من العلم، وكان هذا الكتاب العظيم من تأليفه، لكان لزاماً عليه أن يبينها ويشرحها، كما كان عليه أن يخاف على هذا الكتاب ويبتغي حفظه، ألم يكن سيقول
(٢) هذا بحال رد الكافر بأنه من الممكن ذكرها للإيهام بأن فيها سرّا.