يوم فعلوا هذه الأمورَ، ولست ممن قرأ الكتب فعَلِم نبأهم، ولا جالَس أهلها فسمع خبَرَهم؟ " (١) ولو جالس أحدهم وسمع منه لادّعى النبوة من سمع منه، ولو كان ما يتلوا مما عرفوا أو قالوا، لأحيوه هم ولم يكتموه، وأماتوا بكتمانهم ذكر الأنبياء وشرعهم، أما رسول الله - ﷺ - فخاطبه الله بأن "لا وجه لك إلى علم ذلك إلا بالكون معهم إذ ذاك، أو أخذ ذلك عن أهل الكتاب، أو بوحي منا؛ ومن الواضح الجلي أن بعد نسبتك إلى التعلم من البشر كبعد نسبتك إلى الحضور بينهم في ذلك الوقت، لشهرتك بالنشأة أمياً مباعداً للعلم والعلماء حتى ما يتفاخر به قومك من السجع ومعاناة الصوغ لفنون الكلام على الوجوه الفائقة، فانحصر إخبارك بذلك في الوحي منا" (٢)، ولذلك جاء بعد هذه الآية ذكر عيسى عليه السلام وقوله تعالى ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨)﴾ فكلها جاءت للغاية ذاتها، وكلها جاءت بشرع الله أو لإحياء شرع الله وتطبيق حكم الله في الناس.
ولكن بناءً على هذا التفصيل، أين نضع الآيات التي قامت الحجة بها على المشركين وأعداء الدين برد شبهاتهم؟ وأين نضع الآيات المشتملة على ضرب الأمثال، والتي دعت للتدبر في خلق الله؟ ونحن نعلم بأن الحروف المقطّعة لم تأت كخبر، ولم تأت كأمر ظاهر، ولم تأت بشيء من الغيب! فما هي بحسب هذا التفصيل؟ أهي سر من أسرار التشريع وما لا نستطيع تطبيقه لعدم فهمنا إياه؟ أم خبيئة في علم الغيب لن نعرفها إلا بعد البعث؟ أم فيها خبر عن الأمم السابقة وجاءت بلغاتهم وما اندثر من علومهم؟

(١) الطبري (٤١٠/ ٦) تفسير سورة آل عمران
(٢) البقاعي (٨٨/ ٢) تفسير سورة آل عمران


الصفحة التالية
Icon