القرآن في نظمه واختيار كلماته ومعانيه جاء لإقامة الحجة، ولإخراس المشركين ومن سار على دربهم إلى أبد الآبدين، كما هو الحال في إعجاز الفواتح وغيرها من آيات بالنظم الإلهي.
السبب الثاني: معرفة المقصود من التأويل وتمييزه عن التفسير
نعلم جَمِيعًا علم اليقين بأن القرآن نزل منجّماً على فترات، وكان ذو شقين عظيمين بحسب الفترات، فمنه مكّي ومنه مدني، ولا خلاف على هذا بين أهل الإسلام، ومن باب آخر نعلم علم اليقين أن المكي نزل في أهل قريش، ولم يكونوا بحاجة لتفسير المعاني وقد نزل بلغتهم، ولولا هذه الحقيقة لما اعتبر نظم القرآن معجزاً وقد نزل بلسانهم، ولكنهم بنص القرآن لم يؤمنوا ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: ٣٩] (١) أي لم يؤمنوا بالغيب وما فيه من إلزام للبعث، وما يليه من جزاء وعقاب ورحمة، ولم يفعلوا بالتالي ما أمر الله من تشريع وما فيه من الهدى، ولم يعتبروا بما جاء في القرآن من أخبار السابقين وما فيه من الموعظة، وهذا هو ما لم يحيطوا بعلمه، وكذبوه ولم يروا بعدُ ما يؤول إليه أمر القرآن من نصر للمؤمنين وخسران للكافرين، كما هي سنة الله في الذين خلوا من قبل. وجاء التأويل هنا بالمعنى اللغوي له (من آل الشيءُ يَؤُول إِلى كذا أَي رَجَع وصار إِليه) (٢)، ومعناها كقوله تعالى (ولتعلمن نبأه بعد حين) ولم يأت التأويل هنا بمعنى
(٢) لسان العرب - مادة أول