يدل عليه القرآن كله من دلالات وإشارات ومعاني للكلمات، وما فيها من مقاصد للشرع، وهو المستحيل علمه على بني البشر.
وبناءً على هذا التفصيل نجد الفرق بين التفسير والتأويل ظاهراً، ولبيان الفرق نضع قاعدة لكي لا نحيد عن الصواب: أما التفسير فهو بيان المعاني وكشف المراد عن اللفظ المشكل لإيضاح مبانيه، والحجة فيه هم أهل اللغة العربية، وأهل البيان، وما هو مقرر عندهم من النحو والتصريف، (١) أما التأويل فهو ردّ أَحد المحتملين إلى ما يطابق التفسير، ثم التوسع في فهم المقاصد، بضوابط الأصول المقررة في علم الحديث والفقه وعلوم القرآن. (٢)
وبالنظر للحروف المقطّعة في فواتح السور، وكونها لم تأت لإعجاز البشر فيما شرع الله لهم، ولا هي من الرموز الدالة على خبر، ولا هي من إعجاز البشر على فهم الغيب وأسرار الكون وعلومه المدفونة، لم يتأوّلها الصحابة ممن عاصر العهد المكي والمدني بمفهوم التأويل عندنا بل بمفهومه عندهم، وهو العمل بما جاء فيها: بقراءتها وتبليغها وكتابتها كما هي، وكانوا بذلك (كتبة الوحي) وقد "كانوا إذا اقترأوا عشر آيات من رسول الله - ﷺ - لم ينتقلوا إلى غيرها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل." (٣) ولم يصلنا أنهم سألوا عن معناها أو تحدثوا فيها، وهذا إما
(٢) ردّ أَحد المحتملين إلى ما يطابق التفسير هو ما في اللسان والصحاح ومقاييس اللغة، وما بعده هو المقرر من الأحاديث السابقة، ولا تلتفت لما يفصل في كتب المفسرين والمتكلمين من التعريف اللغوي والاصطلاحي، فهذا كله من تأثير علماء الكلام لتحديد العقول لا لإمعان النظر في كتاب الله.
(٣) رواه الإمام أحمد (٤١٠/ ٥) وابن أبي شيبة (١٥٢/ ٧) والبيهقي في شعب الإيمان (٣٤٤/ ٣) والفسوي في المعرفة والتاريخ (٥٩٠/ ٢) والطحاوي في مشكل الآثار (٨٢/ ٤) والفريابي في فضائل القرآن (ص٢٤١) وابن جرير (٨٠/ ١) والحاكم في المستدرك (٧٤٣/ ١) وقال صحيح الإسناد. كلهم من طريق عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن رجل من الصحابة، وقد تغير عطاء في آخر حياته، قال محقق المسند شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن من أجل عطاء. ورواه ابن جرير (٨٠/ ١) من طريق الأعمش عن شقيق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال أحمد شاكر: هذا إسناد صحيح.