لعلمهم بأنها من المحكم وجاءت لتقرأ وتكتب، وهي مفهومة عندهم، ووجه الإعجاز فيها من وجه الإعجاز في نظم القرآن كله، أو أنهم علموا أن بها أَسْرَارًا ولم يعرفوها ولم يسألوا عنها لأنها من المتشابه، وهذا بعيد كل البعد لأنها تكررت في تسع وعشرين موضعاً، وليست تشابه غيرها من الكلمات في المعاني، بل لم يكن الخطاب بمثلها في العرب قبل القرآن لنقول إنها من المتشابه أصلاً، وعليه فقول بعض المفسرين هي من المتشابه أو من متشابه المتشابه فيه نظر وهو قول بعيد (١)، فهي من المحكم بل من محكم المحكم، وإن كنا نجد فيمن تبع كتبة الوحي وصحابة الرسول - ﷺ - فيمن أسلم أو وُلد بعدهم وعاصروا الصحابة ولم تكن لهم يد في كتابة القرآن الأولى، من كانوا يتأولون الحروف ببيان ما فيها من مقاصد ودلالات، فهذا كله من التأويل المستحب بل هو من فقه الكتاب ومما هم مطالبون به لنشر العلم، لكونهم السبيل الوحيد أمام من تبعهم لبيان التأويل بعد التفسير كل حسب علمه، وما كان ذلك إلا للتوسع في بيان المقاصد، وهو ما سار عليه من تبعهم وأخذ العلم عنهم ولم يعاصر العهد المدني، فكانوا تابعين للصحابة بإحسان رضي الله عنهم ونقلوا عنهم كل ما سمعوه منهم. (٢)
وهذا كله ليس بدليل على تفسيرها بل هو التوسع في تأويلها لبيان المقاصد، وقد ظن البعض من الذين أتوا بعدهم أنها بلا معنى لمخالفتها المعروف من الكلام البشري، مما ألزم المتكلمين والكثير من أهل العلم على رد هذا القول، وإبطال حجة من قال بأن فواتح السور لا تأويل لها على الحقيقة، فقال المتكلمون: "لا يجوز أن يرد في كتاب الله ما لاَ يَكُونُ مفهوماً للخلق، واحتجوا
(٢) وإن كان مما سمعوه بعض الروايات عن بني إسرائيل، فنقلوها إتباعاً لقول الرسول - ﷺ -: وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج. وسآتي على الخلل في فهم المنقول إتباعاً لهذا الحديث بعد الكلام عن أسباب التنزيل.