عليه بآيات منها: قوله تبارك وتعالى: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ﴾ [محمد: ٢٤] بالتدَّبر في القرآن، ولو كان غير مفهوم، فكيف يأمر بالتدبّر فيه" (١)، وقد أخذ المتكلمون هذه الحجج الصحيحة - وهي الحق الأبلج - مسوغاً للقول في تفسير الحروف بما طاب لهم ظلماً وعدواناً على القرآن، واحتجّوا على القرآن بجهلهم، ويا ليتهم تدبروا القرآن - وهي حجتهم - لبيان ما فيه لرد الشبهة عنه، أما نحن فنتبع ما سار عليه أهل العلم، ونقول بل كل حرف في كتاب الله لا بد أن يكون له معنى، ونزيد عليه بأنه لا بد لكل حرف في كتاب الله أن يكون فيه دلالة أو إشارة أو مقصد، بل ولا تختلف إحدى الإشارات أو الدلالات أو المقاصد مع بعضها، وهي على نسق واحد بلا اختلاف، كما هو الحال في هذه الفواتح، وتسويغهم للقول في التأويل برأيهم كان لجهلهم بأن كتاب الله لا بد وله تفسير نعلمه علم اليقين لما يقتضيه من بيان المعاني، أما تأويله فمنه تأويل يعلمه الناس ومنه تأويل لا يعلمه إلا الله، والله يعطي الحكمة من يشاء، فالتفسير حاصل مع ظاهر اللفظ لا محالة.
لذلك السبب نجد التفاسير قد امتلأت أقوالاً عن فواتح السور، فمنهم من يقول فيها برأيه، ومنهم من يقول فيها ما قاله الصحابة فيما وصله من غير تحقق ولم يزد عليه إتباعاً للسلف الصالح، ومنهم من تأمل وتدبر وقال فيها ما رآه في كلام العرب من نحوهم وصرفهم وما ظهر فيها، وهو من الحق في تدبر القرآن لبيان مقاصده للناس، ومنهم من زاد وأنزله منزلة كلام الناس

(١) اللباب لابن عادل (٢٥٣/ ١) تفسير سورة البقرة، نقلاً عن الخطيب البغدادي، وأفضل من نقل إنكار المتكلمين وأهل العلم على القائلين بأنها لا تحمل المعاني هو الفخر الرازي واحتج لقولهم بإيراد أربع عشرة آية غير الآثار والأدلة العقلية، كما أورد حجج المخالفين وأبطلها، أما ما أورده ابن عادل بقوله "ولأن القول بأن هذه الفَوَاتح غير معلومة مروي عن أكابر الصَّحابة رضي الله عنهم فوجب أن يكون حقَّاً" (٢٥٦/ ١) فهذا ليس بصحيح وقد علمنا أنها لم ترو عن كبار الصحابة فالحجة ما زالت قائمة، والقول ساقط. قال ابن كثير في التفسير (١٦٠/ ١):"ومن قال من الجهلة: إنَّه في القرآن ما هو تعبد لا معنى له بالكلية، فقد أخطأ خطأً كبيرًا، فتعين أن لها معنى في نفس الأمر" وقد سبق رد الآمدي عليهم.


الصفحة التالية
Icon