الطبري وغيره من المفسرين رغم ما قيل فيها، وقد شكك فيها البعض واحتج بها البعض، والصواب أنّه لا يحتج بها وإن كان فيها خيرٌ. (١)
الثاني: أنّ حب الناس لسماع ما هو غريب، وطلبهم للمزيد في تأويل القرآن، كان من أهم الأسباب لكثرة المرويات الموضوعة مع قلة الصحيح المدون، وهذا واضح في كتب المحققين عند ذكرهم أسباب الكذب في الحديث بشكل عام وفي التفسير بشكل خاص، مما أدى لظهور بعض المفسرين المحِبّين للشهرة، المتخذين للكذب والادعاء بمعرفة التفسير طريقاً لهم، فكذبوا بالرواية عن الصحابة، ومثالاً عليها ما أورده الخطيب البغدادي "أنّ مقاتل بن سليمان، جاءه إنسان فقال له: إن إنساناً سألني ما لون كلب أصحاب الكهف فلم أدر ما أقول له قال: فقال له مقاتل: ألا قلت هو أبقع فلو قلت لم تجد أحداً يرد عليك"، وأورد بعدها قول نعيم بن حماد "أول ما ظهر من مقاتل الكذب هذا" (٢)، وكذلك ما كان من أمر محمد بن السائب الكلبي، فلا تصح روايته، بل "ما رواه الكلبي لا يحل ذكره في الكتب." (٣) وقد تأثر بعض المفسرين بكلام هذا الكذاب وغيره، مع علمهم بحال القوم، ولكنهم وجدوا في بعض كلامهم ما هو خير ولم يتنبهوا لما وراءه.
الثالث: ظهور بعض المفسرين من الذين تصدوا لتفسير القرآن كاملاً، وهم ثقات، ولكنهم سمعوا تفسير بعض الآيات من التابعين وما نقلوه عن الصحابة، وسمعوا ما روي من

(١) علي ابن أبي طلحة "أرسل عن بن عباس ولم يره... صدوق قد يخطئ" تقريب التهذيب (٦٩٧/ ١) وقال الذهبي في تاريخ الإسلام (٢٢٧/ ٩): "تركوه حتى إن صالح بن محمد جزرة قال: حديثه كذب كله." وقال الألباني عن هذا السند في الضعيفة (رقم ١٠١٩): "هذا ضعيف منقطع"، وقد ذكر أهل الحديث من قصة عبد الله بن صالح كاتب الليث وكيف كان جاره يحرّف كتاباته، وكان ابن صالح لا يفرق بين خطه وخط جاره، فالتحريف كان أول الأسباب للطعن في هذا السند، وقد أحصيت أحاديثه في تفسير الطبري فبلغت ٣٥٨ موطنا، وفي تفسير ابن أبي حاتم ٦٨٢ موطنا، وذكر غيرهم الكثير من مروياته، والحق فيها التوقف لا التكذيب ولا الرد، حتى لو لم تقم بها حجة، فلو لم يكن فيها خير أو كانت بيّنة الوضع لما رواها علماء التفسير من المحدثين.
(٢) الجامع للخطيب البغدادي (١٦٣/ ٢)
(٣) حاشية سير أعلام النبلاء للمحقق (٢٤٩/ ٦) والكلام للإمام أبو حاتم بن حبان.


الصفحة التالية
Icon