الإسرائيليات، وسمعوا ما قيل من هنا وهناك، فجمعوا ما طاب وما خاب من الأقوال، وفسروا القرآن كاملاً وخلطوا الحابل بالنابل، وروى عنهم خلق كثير منهم الصادقون ومنهم الكاذبون، وكُتب عنهم ما لا سبيل لمعرفة أصله، فكانوا موطن شك عند علماء الحديث لما روي عنهم في التفسير، لا بما حدثوا به الثقات، فأمسك البعض عن مجمل الرواية عنهم، وروى البعض عنهم على خلاف ظاهر، ومن هؤلاء إسماعيل السدي (١٢٧هـ) (١)، فأبلغ ما تصل إليه مروياته وقوفها عليه، فإن كان فيها خيراً أخذنا به، وإن كان فيها باطلاً رددناه، وخير ميزان للرجال ما
(١) اختلف علماء الجرح والتعديل في السدّي صاحب التفسير، وذكروا عنه أقوالاً كثيرة، واختلفوا بين تضعيفه وتوثيقه، قال الذهبي:" قال النسائي صالح الحديث وقال يحيى بن سعيد القطان لا بأس به وقال أحمد بن حنبل ثقة وقال مرة مقارب الحديث وقال يحيى بن معين ضعيف وقال أبو زرعة لين وقال أبو حاتم يكتب حديثه وقال ابن عدي هو عندي صدوق" سير أعلام النبلاء (٢٦٥/ ٥)، وفي تهذيب التهذيب (٢٧٤/ ١): "قال الجوزجاني حدثت عن معتمر عن ليث يعني بن أبي سليم قال كان بالكوفة كذابان فمات أحدهما السدي والكلبي كذا قال وليث أشد ضعفاً من السدي وقال العجلي ثقة عالم بالتفسير رواية له وقال العقيلي ضعيف وكان يتناول الشيخين وقال الساجي صدوق فيه نظر وحكى عن أحمد أنه ليحسن الحديث إلا أن هذا التفسير الذي يجيء به قد جعل له إسنادا واستكلفه وقال الحاكم في المدخل في باب الرواة الذين عيب على مسلم إخراج حديثهم تعديل عبد الرحمن بن مهدي أقوى عند مسلم ممن جرحه بجرح غير مفسر وذكره بن حبان في الثقات وقال الطبري لا يحتج بحديثه." قلت: مع أن الطبري أكثر من الرواية عنه في التفسير والتاريخ! فتنبه، هذا ولا أطعن في السدي وقد وثّقه الكثير من أئمة الحديث، وحدث له الإمام مسلم وأصحاب السنن، وقد اختار أحمد شاكر تصحيح إسناده كما فعل الحاكم والذهبي، واستشهد به الألباني في بعض المتابعات وقال: "فمثله إذا تفرد بزيادة دون جميع الرواة لا تطمئن النفس لثبوتها" الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب (ص٧٣٩)، ولكنني في شك كبير من كتاب التفسير المروي عنه، وأغلب الظن أن به علة أشد من علة الحديث الضعيف، وهي التحريف، وقد أخرجته عن باب المعقول فيما رواه من آثار مكتوبة في تفسيره، وقد جاء فيه كلام لا يقبله عاقل، فكيف نقبل نسبته لابن عباس؟ وعليه يكون حجة في الرواية إن كان له متابع كما وثقه عبد الرحمن بن مهدي وأحمد، وروى له مسلم في الأحكام اربعة أحاديث وفي فضل الصحابة حديث واحد، وروى له أصحاب السنن أحاديث كثيرة، وكذلك روى له الإمام أحمد وقد جاء فيما روى عنه أحاديث في فضل الصحابة وفضل أبي بكر وعمر، فكيف يستقيم سبه لهما وهو يروي في فضلهما، أما ما تفرد به من تفاسير وأقوال عن ابن عباس فلا يؤخذ بها، لأن الطبري وهو ناقلها لم يعتبرها حجة، ولقول الإمام أحمد: "إنه ليحسن الحديث إلا أن هذا التفسير الذي يجيء به قد جعل له إسنادا واستكلفه." وقد قال الإمام أحمد إن التفاسير كالمغازي والسير لا أصول لها ولم يكن لها في وقتهم كتب أصيلة، أي لم يكن كتاب السدي بخطه محفوظا بين دفتين ليطلع عليه ويحكم فيه، وأن هذه المرويات الكثيرة كانت سبباً للطعن فيه، وسبباً لما قيل عنه من كبار أئمة الجرح والتعديل، وتفسيره وقف عليه لأنه لا سبيل لمعرفة الصحيح من الضعيف فيه لضياعه.