هذا العلم بالنار." (١) وهذا الكلام فيه ما هو حق لكون واقع التنزيل ركن أساسي في فهم التنزيل، وفيه ما هو وهم وباطل، وهو ذات الوهم الذي دفع بعض العلماء لعدم تفسير بعض الآيات إلا بعد الرجوع لسبب التنزيل فيما ورد من آثار، مخافة أن يكون تفسيره مخالفاً لواقع التنزيل، وأنا على يقين بأن هذا هو الحق في نظر الكثيرين، ولا أقصد بكلامي من شذّ في تفسير بعض الآيات بأن جعلها لذات الموقف المذكور في أسباب التنزيل، والذي حدا بأهل العلم من الأصوليين بوضع قاعدة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) فهذا الكلام مفروغ منه، وليس من سبب يدعونا للخوض فيه، "فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق، والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب هل يختص بسببه أم لا، فلم يقل أحد من علماء المسلمين: إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين" (٢)، أما كلامي فهو عن الوهم الذي بدأ بالقول إنه لا يحل القول في أسباب النزول إلا بالرواية والسماع، وانتهى بالقول في امتناع معرفة التفسير إلا بالوقوف على ما أوردوه من أسباب للتنزيل، وفي حال انعدام وجود الأثر الصحيح يؤخذ بالضعيف بكل تهاون، وهذا الفعل وهم وباطل لعدة أسباب:
الأول: إنّ الفهم بأن أسباب التنزيل انحصرت فيما جاء في الآثار وأقوال الصحابة ينفي ذكر السبب وإن كان ظَاهِرًا في القرآن، وعليه يجب رد السبب إن جاء بخلاف ما ذكره القرآن ولو ضمنياً بأنه السبب، وذلك لأن تفسير القرآن بالقرآن أولى بالإجماع.

(١) أسباب النزول للواحدي، ص٨
(٢) ابن تيمية - مقدمة في اصول التفسير ص١٦


الصفحة التالية
Icon