ويدخل في هذا الميزان كل آية من كتاب الله أو أثر عن رسوله - ﷺ - نحن مأمورون بروايته، ومثالاً عليها جميعاً ما قالوه عن سليمان عليه السلام بأنه كفر، بل وقالوا عنه ساحر (١)، فهذا يبين لنا عقيدتهم الفاسدة، ويعطينا دلالة على قول الله (وما كفر سليمان) رداً عليهم، للتوسع في بيان المقاصد لا لحاجة كتاب الله إلى كلامهم الغث، وزعمهم بأن داود لم يكن نبيّاً وإنما ملك مظفر، يوضح لنا عقيدتهم في داود وأسباب كذبهم عليه، أما ما ذكر عندهم من أحاديث يعقوب عليه السلام وأبنائه في قصة يوسف (٢) وذكر قصة موسى وهارون وما كان بينهم وبين فرعون (٣) فلا نقول كذبوا فيه كله، ولا نقول صدقوا، فقد وافق قولهم ما جاء في القرآن من قصص في نواحي كثيرة، وخالفها في أخرى، والقرآن لم يذكر شيئاً من أحاديثهم في بعضها، فلا نكذبهم وقد يكونون على حق، ولا نصدقهم فنثبت للتاريخ ونظلمه بما ليس منه، ولا حرج في تناقل هذا الأخبار لكونها لا تضيف ولا تنقص من ديننا بشيء، ولكن بعيدا عن تفسير القرآن بكل محتوياتها، فالقاعدة الأولى والأخيرة والتفصيل الفعلي والتطبيقي هو أن القرآن لا يفسر وتعطى معانيه بناء على الإسرائيليات بكل ما حوته من صحيح وسقيم، وما لا علم لنا به، لعدم حاجة القرآن إليه أصلاً، ولكونه تهوك كما قال - ﷺ -. ومثالاً عليه ما جاء في قصة يوسف، فقد ذكروا

(١) يقول الطبري (٤١٣/ ٢): "أنكروا أنه كان لله رسولا وقالوا: بل كان ساحرا"، وانظر ما روي في قولهم بأنه كفر، ونسبة كتب السحر إليه في الطبري (٤١٠/ ٢) وهم لا يعتبرونه كما لا يعتبرون داود (عليهما السلام) من الأنبياء بل من الملوك، وانظر إن شئت في الأسفار التوراتية وإدراج سليمان وداود عليهما السلام في سفر الملوك الأول وكيف يفصلون عهد الملوك ويرون بأن داود الملك الثاني لمملكة إسرائيل ملك وشاعر وموسيقي، وهم يعظمون مزامير داود ويعتبرونها من أسفار العهد القديم ليس لاعتبارها وحياً إلاهيّاً بل لاعتبار قائلها ومؤلفها مؤسس دولتهم وبانيها. بل إنهم يعتقدون بأن الجد الثامن لداود وهو فارص ابن يهوذا كان ابن زنى وأن يهوذا زنى بكنَّتِه (زوجة ابنه) فولدت فارص (سفر التكوين إصحاح ٣٨)، وهم يعتقدون أيضاً أن أبناء الزنى لعشرة أجيال لا يدخلون في جماعة الرب (سفر التثنية إصحاح ٢٣)، ومن قرأ في العهود التوراتية وجد الطوام العظام، كقولهم بأن سليمان ارتد وكفر وعبد الأصنام (سفر الملوك الأول إصحاح ١١) ألا لعنة الله على الكافرين.
(٢) قصة يوسف عليه السلام وإخوته في العهد القديم (التوراة بزعمهم) في سفر التكوين (إصحاح ٥٠ - ٣٧).
(٣) قصة موسى عليه السلام من مولده لخروجه من مصر في السفر الثاني من العهد القديم وهو سفر الخروج كاملاً.


الصفحة التالية
Icon