أيضاً (١)، وقيل إنه قول الشعبي والثوري والسند إليهم مفقود (٢)، ولو صح القول عنهم فالوجه الصحيح فيه يكون بمنزلة القول (الله أعلم بتأويلها) والسر في نظم القرآن لا في معانيه.
الثاني: إنها حروف مقطّعة من أسماء وأفعال وكل حرف منها يؤدي عن معنى، وذلك تبعاً لما يروى عن ابن عباس في تأويل (الم) أي أنا الله اعلم، وفي (الر) أنا الله أرى، وفي (المص) أنا الله أفصّل، (٣) وهذا الأثر ضعيف، لعلّة في السند وعلّة في المتن، ولا يُحتجّ به وإن كثر ذاكريه من

(١) ذكر القول الرازي (٤/ ٢) والقرطبي (١٥٤/ ١) والبغوي (٥٩/ ١) وابن الجوزي (٢٠/ ١) والألوسي (١٠٠/ ١) والكثير من أهل التفسير، وحكاه ابن كثير (١٥٦/ ١) نقلاً عن القرطبي، وكلهم ذكروه من غير سند، وأضاف القرطبي (١٥٤/ ١): "وذكر أبو الليث السمرقندي عن عمر وعثمان وابن مسعود أنهم قالوا: الحروف المقطّعة من المكتوم الذي لا يفسر." وهو في بحر العلوم للسمرقندي (٤٧/ ١) من غير سند.
(٢) أورده السيوطي في الإتقان (٢١/ ٢) وفي الدر المنثور (٥٩/ ١) بأنه من رواية ابن المنذر وأبي الشيخ بن حيان الأصبهاني في التفسير عن الشعبي من طريق داود بن أبي هند عندما سأله عن الفواتح فقال: إن لكل كتاب سراً، وإن سر هذا القرآن فواتح السور. وهذا ما أورده القرطبي (١٥٤/ ١) وأبو حيان في تفسير البحر المحيط (١٥٨/ ١) بقولهم "وهو قول الشعبي والثوري وجماعة من المحدثين." والحق في هذا القول هو التوقف، لأن كلا المصدرين مفقود، تفسير ابن المنذر وتفسير الأصبهاني. وما يثير الريبة في السند ما رواه ابن أبي حاتم (٣٢/ ١) بسند صحيح عن الشعبي عندما سئل عن الحروف قوله "هي اسم من أسماء الله مقطّعة بالهجاء، فاذا وصلتها كانت اسماً من أسماء الله." وما رواه ابن جرير (٢٠٦/ ١) بسند صحيح عن السدي أن الشعبي قال بأن فواتح السور من أسماء الله.
(٣) رواه ابن جرير (٢٠٨/ ١) وابن أبي حاتم (٣٢/ ١) والنحاس في معاني القرآن (٧٣/ ١) والدارمي في النقض على المريسي (ص١٤٧) والبيهقي في الأسماء والصفات (٢٣٢/ ١) بروايات عديدة من طريق شريك، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضُّحَى، عن ابن عباس، إلا في روايتين: الأولى عند ابن جرير (٢٠٨/ ١) والنحاس (٧٣/ ١) من طريق عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير موقوفة عليه، والثانية عند ابن جرير (٣٢٠/ ١٦) من طريق هشيم عن عطاء عن ابن عباس، أما الطريق الأول فقد وهم شريك كما في روايته عند ابن أبي حاتم "قال شريك أراه إلا عن أبي الضحى"، وشريك سيء الحفظ وحجة في المتابعات فقط، وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء عن عطاء (١١١/ ٦): "وكان يرفع عن سعيد بن جبير أشياء لم يكن يرفعها." وفي سير أعلام النبلاء (١١٣/ ٦) وتهذيب التهذيب (١٨٤/ ٧) عن عطاء: "قال النسائي ثقة في حديثه القديم، إلا أنه تغير، ورواية حماد بن زيد وشعبة وسفيان عنه جيدة". وعليه فكل الطرق ضعيفة لعلة ظاهرة فيها، وهي الخلط الواضح عند عطاء إن سلم الأثر من وهم شريك كما في رواية ابن جرير من طريق هشيم، وأبلغ ما يصله الصحيح فيه هو الوقوف على عطاء، أما قول ابن أبي حاتم: "قال ابو محمد: وكذا فسره سعيد بن جبير، والضحاك" فمعلوم بهذا السند لا بسواه، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon