تحمل المعاني وإنما السياق من يفعل، واستدل أصحاب هذه الشبهة بكلمات كثيرة منها قوله تعالى في سورة (ص) ﴿وظن داوود﴾، فقالوا جاءت ظن بمعنى علم وأيقن، وهذا من سوء فهمهم لمقاصد القرآن - وهذه الآية من مفاصل البيان لما في الحروف المقطّعة من تأويل وإيضاح للمقاصد، كما سيظهر عند الحديث عن إشارات الإعجاز فيها - فالظن هو "التَّرَدُّدُ الراجِحُ بين طَرَفَي الاعْتِقَادِ الغيرِ الجازِمِ" (١)، و"يدلُّ على معنيينِ مختلفين: يقين وشكّ" (٢)، "إلّاَ أَنه ليس بيقينِ عِيانٍ، إنما هو يقينُ تَدَبُّرٍ، فأَما يقين العِيَانِ فلا يقال فيه إلاَّ علم" (٣)، وقد جاءت المعاني الثلاث: الشك والظن واليقين في نفس السورة وفي نفس السياق بقوله تعالى (بل هم في شك من ذكري) وبعدها بآيات في سياق الرد عليهم جاءت (وظن داوود) فإن نظرت بعين التدبر وجدت أن (بل) من الله تفيد اليقين والعلم التام، و (هم في شك) تفيد الريب والاتهام، وهو نقيض اليقين التام، والظن بينهما وهو إلى اليقين أقرب. وكذلك كل كلمة في اللغة تحمل معنى أوحد بذاتها تدل عليه بظاهرها، منفردة به عن سواها كما هو الحال في هذه الحروف، لأنه بانعدام هذه الحال تختلط الوظائف اللغوية للكلمات، مما يسبب نقل معنى النص المحتوي على الكلمة ليكون محتوياً على رمز مبهم، وبالتالي نقر بوجود الإبهام والإعجام في القرآن إن قسناه على غيره من النصوص، وذلك لانعدام الرابط بين المدلول اللغوي وأداة الكلام المستعملة، ولا أعني مطلق الرمز وما بنيت عليه الرمزية، فهي مذهب واسع وبحر زاخر لا مجال للخوض فيه هنا، ولكنني أقول: حتى أرباب الرمزية في النصوص النثرية والشعرية لم يجيزوا استعمال الرمز اللغوي منفصلاً عن دلالته اللغوية بشكل تام، وإن حسنوا بعد المسافة الدلالية للرمز عن المعنى
(٢) مقاييس اللغة - ظن
(٣) لسان العرب - مادة ظنن