ذكر الحادثة التي نزلت بعدها سورة الأنفال
وهذه السورة نزلت بعد اختصام المسلمين في غنائم بدر، فإن النبي عليه الصلاة والسلام خرج بأصحابه إلى بدر، وكان أول أمره يريد عير قريش، وقال لأصحابه: (لعل الله أن ينفلكموها) أي: يهبها لكم، فلما نجا أبو سفيان بالعير، وجاءت قريش تحاد الله ورسوله التقى الجمعان في يوم الفرقان في بدر في الموضع المعروف بين مكة والمدينة، وهو إلى المدينة أقرب، وهي أول معركة وقعت في الإسلام يمكن أن يطلق عليها أنها غزوة بالمعنى الحقيقي، وكان قبلها بدر الصغرى، ولم يقع فيها قتال فوقعت تلك المعركة، وأعلى الله فيها كلمة الإسلام، ونصر الله جل وعلا محمداً ﷺ وأصحابه، ورد الله القرشيين على أدبارهم، فغنم المسلمون غنائم.
ثم إن الجيش في آخر الغزوة انقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم أخذ يحرس النبي ﷺ خوفاً عليه من أن يأتيه أحد من المشركين.
وقسم أخذ يجهز على من بقي ويتبع فلول أهل الإشراك.
وقسم أخذ يجمع الغنائم.
فلما انتهى الأمر، ووقع من وقع من القرشيين في الأسر، وقتل منهم من قتل، وفر منهم من فر، ووضعت الحرب أوزارها؛ اختصم المسلمون في الغنائم، فهل الأولى بها من حرس النبي عليه الصلاة والسلام، أم من جمعها، أم من تبع فلول أهل الإشراك؟ فلما اختصموا فيها لجئوا إلى النبي ﷺ يسألونه، فقال الله جل وعلا: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١].
والنفل هو: الزيادة على الأصل، فالغنيمة زيادة على النصر في المعركة؛ لأن المطلوب الأول في المعركة النصر، فالغنيمة زيادة عليه، وولد الولد زيادة على الولد، ولذلك قال الله عن إبراهيم: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً﴾ [الأنبياء: ٧٢] أي: زيادة على إسحاق؛ لأن إسحاق ابن إبراهيم، فوهب الله يعقوب زيادة لإبراهيم على إسحاق الذي هو ولده.
وصلاة التطوع زيادة على الفريضة، ولذلك تسمى الأولى فريضة ويسمى ما يزاد عليها نافلة، قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩].
والغنيمة: ما يناله المسلمون من عدوهم بسعي وإيجاف خيل وركاب.
وما ناله المسلمون من عدوهم من غير سعي ولا إيجاف خيل ولا ركاب -كخراج الأراضي أو الجزية- فإنه يسمى فيئاً.
وقد أجمع العلماء على أن قول الله جل وعلا: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١] يراد به ما غنمه المسلمون يوم بدر.