تفسير قوله تعالى: (يا معشر الجن والإنس)
قال تبارك وتعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ [الرحمن: ٣٣].
هذه الآية ربما توسع العلماء فيها كثيراً، والصواب إن شاء الله في تفسيرها أن يقال: إن هذه الآية تتكلم عن أهوال يوم القيامة، وعن أهوال يوم الآخرة.
وحتى تفقه معناها نقول: اعلم أن الناس يحشرون من القبور على أرض بيضاء نقية، فإذا كان ذلك تشققت السموات، قال الله جل وعلا: ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا﴾ [الفرقان: ٢٥]، فإذا رأى الكفار تشقق السماء وتنزل الملائكة أحاط بهم الخوف، فإذا أحاط بهم الخوف فروا، فإذا فروا ورأوا الملائكة على الجانبين رجعوا على ما هم عليه.
فالله يقول هنا: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا﴾ [الرحمن: ٣٣] أي: أن تخترقوا، ﴿مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا﴾ [الرحمن: ٣٣] أي: الأمر متروك لكم إن كانت لديكم قدرة على ذلك.
ثم قال جل وعلا: ﴿لا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ [الرحمن: ٣٣] أي: بقوة وقدرة تغلبون بها قهرنا وقدرتنا، ومعلوم أن هذا من تعليق الأمر بالمحال؛ لأنه لا أحد له قدرة على الله، ودليل هذا التفسير قول الله جل وعلا على لسان العبد الصالح مؤمن آل فرعون: ﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ﴾ [غافر: ٣٢ - ٣٣]، متى يولون مدبرين؟ في يوم التناد، ﴿مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [غافر: ٣٣]، فهذا من شواهد تفسير الآية كما قلناه.
إذاً: فهذا من تعليق الأمر بالمحال.