وقفة مع قول الله تعالى: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً)
الحمد لله خالق الكون بما فيه، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، فجعله غثاءً أحوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد مضى القول: أن سورة الإسراء جملة سورة مكية وأن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه كان يسميها من العتاق الأول، ويقول: إنها من تلادي أي: من القديم الذي أخذته عن رسول الله ﷺ قبل أن يهاجر إلى المدينة، ومعلوم أن ابن مسعود كان ملازماً للنبي عليه الصلاة والسلام كثيراً، وأخذ عنه كثيراً من القرآن، وقد عده عليه الصلاة والسلام أحد من يؤخذ عنهم القرآن رضي الله عنه وأرضاه.
وقلنا: إن هذه السورة تسمى -كذلك- سورة بني إسرائيل، فلها عند العلماء اسمان شهيران: اسمها المدون في المصحف اليوم: سورة الإسراء، والاسم الآخر: سورة بني إسرائيل، كما بينا أنها سورة مكية، لكن بعض آياتها مدنية.
وسوف نتحدث الآن عن قول الله تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: ٣٦].
فنقول: ورد ذكر البصر في كلام الله جل وعلا كثيراً، إلا أنه في آية أو آيتين أو ثلاث على الأكثر قدم البصر على السمع، وفي كثير منها يقدم السمع على البصر.
والبصر جاء في القرآن على صورة الإفراد وجاء على صورة الجمع، أما السمع فلم يرد إلا على صورة الإفراد.
والطب الحديث يشهد أن المولود الجنين الصغير يسمع أولاً ثم بعد ذلك يبصر، فحاسة السمع عندهم مقدمة عملاً على حاسة البصر، والله جل وعلا قال: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا﴾ [مريم: ٣٨]، وإنما ذكر البصر مقدماً في عرصات يوم القيامة؛ لأن الإنسان يرى قبل أن يسمع إذا بعثر ما في القبور وحشر الناس، لذلك قدم الله في آية الكهف البصر على السمع، أما قول الله جل وعلا: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: ٣٦]، فهذا من جنس ما في القرآن من وعيد وتحذير للعباد، وأن الناس مكلفون وأن الله جل علا سائلهم عما استرعاهم عليه.