ذكر أحوال الإطلاق والتقييد
والمطلق والمقيد ينقسمان إلى أربعة أقسام: فقسمان اتفق عليهما العلماء، وقسمان اختلفوا فيهما، فنقول: أولاً: يحمل المطلق على المقيد إذا اتفقا في السبب والحكم، ومثال ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في زكاة الغنم: (في أربعين شاة شاة)، وقال: (في سائمة الغنم زكاة) فالحكم في النصين هو الزكاة، فهو واحد، والسبب واحد، وهو بلوغ النصاب، وقوله صلى الله عليه وسلم: (في أربعين شاة شاة) لم يذكر فيه السائمة، ولكن لا نقول لكل من ملك أربعين شاة: إنه تجب عليك فيها الزكاة، حتى تكون سائمة، فأتينا بشرط السوم من حديث آخر، للاتفاق في السبب والحكم.
فنقول على هذا: إذا اتفق المطلق والمقيد في السبب والحكم يحمل المطلق على المقيد.
ثانياً: إذا اختلفا في السبب واتفقا في الحكم، فإن مثالهما كما في الظهار وقتل مؤمن خطأ، فالسبب يختلف، ولكن الحكم واحد، وهو العتق، وقد قال الله جل وعلا في القتل: ﴿وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ [النساء: ٩٢]، وقال في الظهار ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [المجادلة: ٣].
ولم يقل: مؤمنة، فالإطلاق في آية الظهار، والتقييد في آية القتل، فاتفقا في الحكم وهو العتق، واختلفا في السبب، إذ الظهار والقتل مختلفان، فهل يحمل المطلق على المقيد؟ هذا محل نزاع بين العلماء.
ثالثاً: إذا اتفقا في السبب، واختلفا في الحكم، فمثال ذلك في الوضوء والتيمم، فالإنسان إذا لم يجد الماء يرفع حدثه التيمم، فالتيمم غير الوضوء، ولكن السبب واحد، إذ المقصود رفع الحدث؛ لأنه لا يكون وضوء ولا تيمم إلا لرفع الحدث.
فالله جل وعلا قال في آية الوضوء: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة: ٦].
فقيد غسل اليد بقوله: (إلى المرافق)، وفي التيمم قال: ﴿وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ [المائدة: ٦] ولم يقل: إلى المرافق، فهذا إطلاق، فهل يحمل هذا على هذا؟ هذا فيه خلاف، ولكن ذلك فسر بالسنة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
رابعاً: إذا اختلفا في السبب والحكم، فمثاله قول الله جل وعلا: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٣٨].
فالحكم هو القطع، والسبب السرقة.
وقال تعالى في آية الوضوء: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ﴾ [المائدة: ٦].
فالسبب هو رفع الحدث، وهناك السبب هو السرقة، وهناك الحكم القطع، وهنا الحكم الوضوء، فالوضوء غير القطع، والسرقة غير رفع الحدث، فاختلفا في السبب، واختلفا في الحكم، فلا نقول: إن السارق تقطع يده من المرفق، لأن آية الوضوء نصت على أنه يكون إلى المرفق؛ لأنهما اختلفا في السبب وفي الحكم.