الولاية الرحمانية والولاية الشيطانية
والآن ندخل على درس الليلة، وسنقف أولاً عند قول الله جل وعلا: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [يونس: ٦٢ - ٦٥].
ومن المقرر شرعاً: أن الله جل وعلا أمر الخلق بعبادته، وحذر الناس من عبادة الشيطان، فمن عبد الله فهو بالجملة ولي من أولياء الله، ومن عبد الشيطان عياذاً بالله وكفر فهو ولي من وأولياء الشيطان، والشيطان يوم القيامة يتبرأ من أوليائه، كما ذكر الله عنه وعن إبليس أنه يقوم خطيباً يوم القيامة في أتباعه، قال تعالى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾ [إبراهيم: ٢٢] إلى آخر الآية في سورة إبراهيم.
وأما أولياء الله فحتى لا يترك المجال للناس في تعريف الولي فقد فسر الله الولي في القرآن نفسه، وهذا من إيضاح القرآن بالقرآن، فيسألك إنسان ما الحطمة؟ وتجيب بالقرآن: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ﴾ [الهمزة: ٥ - ٦] إذاً فالحطمة: ﴿نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ﴾ [الهمزة: ٦]، ولا يمكن أن يأتي أحد فيفسر الحطمة بأفضل من أن تقول نار الله الموقدة، وهنا قال الرب سبحانه: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: ٦٢]، ففسره الله جل وعلا بقوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس: ٦٣].
فمن آمن بالله واتقى فهو ولي من أولياء الله، وهذه الولاية درجات ومنازل عدة، لكن بالجملة: كل من آمن واتقى الله فهو ولي بنص القرآن، وقد أغرق الناس في هذا الباب -أي: في باب الولاية- في شئون ومداخل ومخارج لا يعلمها إلا الله، فمنذ أن ظهرت الصوفية في القرن الثالث في الأمة إلى يومنا هذا والناس في قضية هذا ولي، وهذا غير ولي، فيركبون الصعب والذلول في إثبات أمور قد أثبتها الله من قبل، ولا حاجة لخوض الناس فيها كما يخوضون فيه اليوم، فالصحابة على عهد النبي ﷺ لم يكونوا يعرفون اسماً للناس إلا مسلم أو مؤمن، أو اسم تاريخي فيقال: فلان بدري؛ لأنه شهد بدراً، أو يقال: فلان من أهل الشجرة؛ لأنه شهد البيعة، أو يقال: فلان تابعي؛ لأنه رأى الصحابة، فهي أمور تتعلق بأحداث تاريخية ولا تتعلق بأعمال القلوب، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).