النبي ﷺ ذلك في وجهه، قال: فضربَ صدره وقال: ابعَدْ شيطانًا -قالها ثلاثًا- ثم قال: يا عمرُ، إن القرآن كلَّه صواب، ما لم تجعلْ رحمةً عذابًا أو عذابا رحمةً (١).
١٧- حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابي، قال: حدثنا عبد الله بن ميمون، قال: حدثنا عبيد الله (٢) -يعني ابن عمر- عن نافع، عن ابن عمر، قال: سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا يقرأ القرآن، فسمع آية على غير ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى به عمرُ إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، إن هذا قرأ آية كذا وكذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف، كلها شافٍ كافٍ (٣).
(١) الحديث ١٦- رواه أحمد في المسند (١٦٤٣٧ ج ٤ ص ٣٠ طبعة الحلبي) عن عبد الصمد، وهو ابن عبد الوارث، بهذا الإسناد، نحوه. ونقله الحافظ ابن كثير في فضائل القرآن: ٧٣، وقال: "وهذا إسناد حسن. وحرب بن ثابت هذا يكنى بأبي ثابت، لا نعرف أحدًا جرحه". ونقله الهيثمي في مجمع الزوائد ٧: ١٥٠-١٥١، وقال: "رواه أحمد، ورجاله ثقات". وذكره الحافظ في الفتح ٩: ٢٢-٢٣، ونسبه للطبري فقط، فقصر إذ لم ينسبه للمسند.
وإسناده يحتاج إلى بحث:
فأولا- "حرب بن ثابت": ثبت في نسخ الطبري هنا "حرب بن أبي ثابت"، وهو خطأ صرف من الناسخين. صوابه "حرب بن ثابت"، وهو "المنقري"، ترجمه البخاري في التاريخ الكبير: ٢ ١ ٥٨، قال: "حرب بن أبي حرب أبو ثابت، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري، قاله عبد الصمد. وقال موسى: حدثنا حرب بن ثابت المنقري. يعد في البصريين".
وترجمه ابن حبان في الثقات ٤٤٣-٤٤٤، قال: "حرب بن ثابت المنقري، من أهل البصرة، يروي عن الحسن ومروان الأصفر، روى عنه عبد الصمد، كأنه: حرب بن أبي حرب الذي ذكرناه". وقد ذكر قبله ترجمة "حرب بن أبي حرب، يروي عن شريح، روى عنه حصين أبو حبيب".
والحافظ ابن حجر حين ترجم لحرب بن ثابت، أشار إلى كلام ابن حبان هذا، وعقب عليه بأنه "واحد، جعله اثنين، ثم شك فيه"!! ولم ينصفه في هذا، فإنهما اثنان يقينًا، فصل بينهما البخاري في الكبير، فجعل الذي يروى عن شريح برقم: ٢٢٦، غير الذي نقلنا كلامه عنه برقم: ٢٢٧.
وأما الذي جعل الراوي راويين فإنه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ٢ ١ ٢٥٢ ذكر ثلاث تراجم، بالأرقام: ١١٢١، ١١٢٣، ١١٢٥، فالأخير هو الذي روى عن شريح، والأولان هما شخص واحد، وهم فيه ابن أبي حاتم.
وقد نسب "حرب بن ثابت" هذا في التعجيل: ٩١-٩٢ بأنه "البكري"، وكذلك في الإكمال للحسيني: ٢٣. وأنا أرجح أن هذا خطأ من الناسخين، أصله "البصري"، فإن نسبته فيما أشرنا إليه من تراجمه "المنقري"، وهو من أهل البصرة، فعن ذلك رجحت أن صوابه "البصري".
وثانيًا- "إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة": هكذا رواه عبد الصمد بن عبد الوارث عن حرب بن ثابت المنقري. ولكن بعض العلماء شك في صحة هذا، فقال البخاري في الكبير في ترجمة حرب: "وقال مسلم: حدثنا حرب بن ثابت سمع إسحاق بن عبد الله" فهذه رواية البخاري عن شيخه مسلم بن إبراهيم الفراهيدي عن حرب بن ثابت "أنه سمع إسحاق بن عبد الله". وهي تؤكد صحة ما رواه عبد الصمد. ولكن قال البخاري عقب ذلك: "حدثني إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الصمد قال: حدثنا حرب أبو ثابت قال: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة. ويقال: إسحاق هذا ليس بابن أبي طلحة، وهم فيه عبد الصمد من حفظه، وأصله صحيح"، فهذه إشارة إلى هذا الحديث..
ولكنه قال في التاريخ الكبير ١ ١ ٣٨٢ في ترجمة "إسحاق الأنصاري": "إسحاق الأنصاري. حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حرب بن ثابت المنقري قال: حدثني إسحاق الأنصاري عن أبيه عن جده، وكانت له صحبة، أن النبي ﷺ قال: القرآن كله صواب: وقال عبد الصمد: حدثنا حرب أبو ثابت سمع إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله. وقال بعضهم: لقن عبد الصمد، فقالوا: ابن عبد الله بن أبي طلحة، ولم يكن في كتابه: ابن عبد الله".
فهذه إشارة أخرى من البخاري لهذا الحديث أيضًا، كعادته في تاريخه، في الإشارة إلى الأحاديث التي يريد أن يرشد إلى مواطن البحث فيها.
وقد أشار البخاري في الموضعين إلى قول من شك في أن "إسحاق الأنصاري" راوي هذا الحديث غير "إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري" الثقة المعروف بروايته عن أبيه "عبد الله" عن جده "أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري الصحابي الكبير" أحد النقباء، الذي شهد العقبة وبدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأتى بقوله هذا مجهلا إياه ممرضًا، بقوله مرة: "ويقال"، ومرة: "وقال بعضهم". ثم عقب على هذا التمريض في المرة الأولى بقوله: "وأصله صحيح"، يعني أصل الحديث. فهو تصريح منه بصحة الحديث، وبرفض قول هذا القائل الذي شك فيه.
وقد وافقه على ذلك زميله وصنوه أبو حاتم الرازي، فقال ابنه في الجرح والتعديل، في ترجمة "إسحاق الأنصاري" ١ ١ ٢٣٩-٢٤٠: "سمعت أبي يقول: يرون أنه: إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري".
وسبقهما إلى ذلك شيخهما إمام المحدثين، الإمام أحمد بن حنبل، فأثبت هذا الحديث في مسند "أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري" دون شك أو تردد. فصح الحديث، والحمد لله.
(٢) هو عبيد الله بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وليس هو ابن عمر بن الخطاب.
(٣) الحديث ١٧- إسناده ضعيف جدا، من أجل "عبد الله بن ميمون". أما "عبيد الله بن محمد بن هارون الفريابي" شيخ الطبري، فالظاهر أنه ثقة، ولكني لم أجد له ترجمة إلا في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: ٢ ٢ ٣٣٥، قال: "نزيل بيت المقدس، روى عن سفيان بن عيينة، سمع منه أبي ببيت المقدس". ولم يذكر فيه جرحًا. وأما علة الحديث فهو "عبد الله بن ميمون بن داود القداح"، وهو ضعيف جدًا، قال البخاري: "ذاهب الحديث"، وقال أبو حاتم والترمذي: "منكر الحديث"، وقال أبو حاتم: "يروي عن الأثبات الملزقات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد"، وقال الحاكم: "روى عن عبيد الله بن عمر أحاديث موضوعة". وأما شيخه "عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب"، فإنه إمام ثقة معروف، وهو أحد الفقهاء السبعة.
ومعنى الحديث في ذاته صحيح، كأنه مختصر من معنى حديث عمر بن الخطاب، الذي مضى برقم: ١٥. ولكن هذا القداح ألزقه بعبيد الله بن عمر، وجعله من حديث نافع عن ابن عمر. ولا أصل لهذا، ولم نجده قط من حديث ابن عمر.
ولم يحسن الحافظ ابن حجر، إذ أشار إلى هذا الحديث في الفتح ٩: ٢٣، ونسبه للطبري، دون أن يذكر ضعف إسناده.
وإسناده يحتاج إلى بحث:
فأولا- "حرب بن ثابت": ثبت في نسخ الطبري هنا "حرب بن أبي ثابت"، وهو خطأ صرف من الناسخين. صوابه "حرب بن ثابت"، وهو "المنقري"، ترجمه البخاري في التاريخ الكبير: ٢ ١ ٥٨، قال: "حرب بن أبي حرب أبو ثابت، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري، قاله عبد الصمد. وقال موسى: حدثنا حرب بن ثابت المنقري. يعد في البصريين".
وترجمه ابن حبان في الثقات ٤٤٣-٤٤٤، قال: "حرب بن ثابت المنقري، من أهل البصرة، يروي عن الحسن ومروان الأصفر، روى عنه عبد الصمد، كأنه: حرب بن أبي حرب الذي ذكرناه". وقد ذكر قبله ترجمة "حرب بن أبي حرب، يروي عن شريح، روى عنه حصين أبو حبيب".
والحافظ ابن حجر حين ترجم لحرب بن ثابت، أشار إلى كلام ابن حبان هذا، وعقب عليه بأنه "واحد، جعله اثنين، ثم شك فيه"!! ولم ينصفه في هذا، فإنهما اثنان يقينًا، فصل بينهما البخاري في الكبير، فجعل الذي يروى عن شريح برقم: ٢٢٦، غير الذي نقلنا كلامه عنه برقم: ٢٢٧.
وأما الذي جعل الراوي راويين فإنه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ٢ ١ ٢٥٢ ذكر ثلاث تراجم، بالأرقام: ١١٢١، ١١٢٣، ١١٢٥، فالأخير هو الذي روى عن شريح، والأولان هما شخص واحد، وهم فيه ابن أبي حاتم.
وقد نسب "حرب بن ثابت" هذا في التعجيل: ٩١-٩٢ بأنه "البكري"، وكذلك في الإكمال للحسيني: ٢٣. وأنا أرجح أن هذا خطأ من الناسخين، أصله "البصري"، فإن نسبته فيما أشرنا إليه من تراجمه "المنقري"، وهو من أهل البصرة، فعن ذلك رجحت أن صوابه "البصري".
وثانيًا- "إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة": هكذا رواه عبد الصمد بن عبد الوارث عن حرب بن ثابت المنقري. ولكن بعض العلماء شك في صحة هذا، فقال البخاري في الكبير في ترجمة حرب: "وقال مسلم: حدثنا حرب بن ثابت سمع إسحاق بن عبد الله" فهذه رواية البخاري عن شيخه مسلم بن إبراهيم الفراهيدي عن حرب بن ثابت "أنه سمع إسحاق بن عبد الله". وهي تؤكد صحة ما رواه عبد الصمد. ولكن قال البخاري عقب ذلك: "حدثني إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الصمد قال: حدثنا حرب أبو ثابت قال: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة. ويقال: إسحاق هذا ليس بابن أبي طلحة، وهم فيه عبد الصمد من حفظه، وأصله صحيح"، فهذه إشارة إلى هذا الحديث..
ولكنه قال في التاريخ الكبير ١ ١ ٣٨٢ في ترجمة "إسحاق الأنصاري": "إسحاق الأنصاري. حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حرب بن ثابت المنقري قال: حدثني إسحاق الأنصاري عن أبيه عن جده، وكانت له صحبة، أن النبي ﷺ قال: القرآن كله صواب: وقال عبد الصمد: حدثنا حرب أبو ثابت سمع إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله. وقال بعضهم: لقن عبد الصمد، فقالوا: ابن عبد الله بن أبي طلحة، ولم يكن في كتابه: ابن عبد الله".
فهذه إشارة أخرى من البخاري لهذا الحديث أيضًا، كعادته في تاريخه، في الإشارة إلى الأحاديث التي يريد أن يرشد إلى مواطن البحث فيها.
وقد أشار البخاري في الموضعين إلى قول من شك في أن "إسحاق الأنصاري" راوي هذا الحديث غير "إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري" الثقة المعروف بروايته عن أبيه "عبد الله" عن جده "أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري الصحابي الكبير" أحد النقباء، الذي شهد العقبة وبدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأتى بقوله هذا مجهلا إياه ممرضًا، بقوله مرة: "ويقال"، ومرة: "وقال بعضهم". ثم عقب على هذا التمريض في المرة الأولى بقوله: "وأصله صحيح"، يعني أصل الحديث. فهو تصريح منه بصحة الحديث، وبرفض قول هذا القائل الذي شك فيه.
وقد وافقه على ذلك زميله وصنوه أبو حاتم الرازي، فقال ابنه في الجرح والتعديل، في ترجمة "إسحاق الأنصاري" ١ ١ ٢٣٩-٢٤٠: "سمعت أبي يقول: يرون أنه: إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري".
وسبقهما إلى ذلك شيخهما إمام المحدثين، الإمام أحمد بن حنبل، فأثبت هذا الحديث في مسند "أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري" دون شك أو تردد. فصح الحديث، والحمد لله.
(٢) هو عبيد الله بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وليس هو ابن عمر بن الخطاب.
(٣) الحديث ١٧- إسناده ضعيف جدا، من أجل "عبد الله بن ميمون". أما "عبيد الله بن محمد بن هارون الفريابي" شيخ الطبري، فالظاهر أنه ثقة، ولكني لم أجد له ترجمة إلا في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: ٢ ٢ ٣٣٥، قال: "نزيل بيت المقدس، روى عن سفيان بن عيينة، سمع منه أبي ببيت المقدس". ولم يذكر فيه جرحًا. وأما علة الحديث فهو "عبد الله بن ميمون بن داود القداح"، وهو ضعيف جدًا، قال البخاري: "ذاهب الحديث"، وقال أبو حاتم والترمذي: "منكر الحديث"، وقال أبو حاتم: "يروي عن الأثبات الملزقات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد"، وقال الحاكم: "روى عن عبيد الله بن عمر أحاديث موضوعة". وأما شيخه "عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب"، فإنه إمام ثقة معروف، وهو أحد الفقهاء السبعة.
ومعنى الحديث في ذاته صحيح، كأنه مختصر من معنى حديث عمر بن الخطاب، الذي مضى برقم: ١٥. ولكن هذا القداح ألزقه بعبيد الله بن عمر، وجعله من حديث نافع عن ابن عمر. ولا أصل لهذا، ولم نجده قط من حديث ابن عمر.
ولم يحسن الحافظ ابن حجر، إذ أشار إلى هذا الحديث في الفتح ٩: ٢٣، ونسبه للطبري، دون أن يذكر ضعف إسناده.