كَمْ عَمةٍ لَكَ يا جَرِيرُ وَخَالَةٍ | فَدْعَاءَ قَدْ حَلَبَتْ عَلَيَّ عِشَارِي (١) |
فإن قال قائل: فإن الله تعالى ذكره إنما أخبر أنه"أهلك قرًى"، فما في خبره عن إهلاكه"القرى" من الدليل على إهلاكه أهلها؟
قيل: إن"القرى" لا تسمى"قرى" ولا"القرية""قرية"، إلا وفيها مساكن لأهلها وسكان منهم، ففي إهلاكها إهلاك مَنْ فيها من أهلها.
* * *
وقد كان بعض أهل العربية يرى أن الكلام خرج مخرج الخبر عن"القرية"، والمراد به أهلها.
* * *
قال أبو جعفر: والذي قلنا في ذلك أولى بالحق، لموافقته ظاهر التنزيل المتلوّ.
* * *
فإن قال قائل: وكيف قيل: (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون) ؟ وهل هلكت قرية إلا بمجيء بأس الله وحلول نقمته وسَخَطه بها؟ فكيف قيل: "أهلكناها فجاءها"؟ وإن كان مجيء بأس الله إياها بعد هلاكها، فما وجه مجيء ذلك قومًا قد هلكوا وبادوا، ولا يشعرون بما ينزل بهم ولا بمساكنهم؟
قيل: إن لذلك من التأويل وجهين، كلاهما صحيح واضح منهجه:
أحدهما: أن يكون معناه:"وكم من قرية أهلكناها"، بخذلاننا إياها عن اتباع ما أنزلنا إليها من البينات والهدى، واختيارها اتباع أمر أوليائها المُغْوِيتِهَا عن طاعة ربها (٢) = "فجاءها بأسنا" إذ فعلت ذلك ="بياتا أو هم قائلون"، فيكون"إهلاك الله إياها"، خذلانه لها عن طاعته، ويكون"مجيء بأس الله إياهم"، جزاء لمعصيتهم ربهم بخذلانه إياهم.
(١) ديوانه: ٤٥١، والنقائض: ٣٣٢، وقد سلف هذا البيت وشرحه في تخريج بيت آخر من القصيدة ٩: ٤٩٥، ٤٩٦، تعليق: ١.
(٢) في المطبوعة: ((المغويها))، وأثبت ما في المخطوطة.
(٢) في المطبوعة: ((المغويها))، وأثبت ما في المخطوطة.