قوله: (ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال)، الآية، قال: قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت صادقًا فسيِّر عنا هذه الجبال واجعلها حروثًا كهيئة أرض الشام ومصر والبُلْدان، أو ابعث موتانَا فأخبرهم فإنهم قد ماتوا على الذي نحن عليه! فقال الله: (ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى)، لم يصنع ذلك بقرآن قط ولا كتاب، فيصنع ذلك بهذا القرآن.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى قوله (أفلم ييأس).
فكان بعض أهل البصرة يزعم أن معناه: ألم يعلمْ ويتبيَّن= ويستشهد لقيله ذلك ببيت سُحَيْم بن وَثيلٍ الرِّياحيّ:

أَقُولُ لَهُمْ بالشِّعْبِ إِذْ يَأْسِرُونَنِي أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ابْنُ فَارِسِ زَهْدَمِ (١)
ويروى:"يَيْسِرُونَني"، فمن رواه:"ييسرونني" فإنه أراد: يقتسمونني، من"الميسر"، كما يقسم الجزور. ومن رواه:"يأسرونني"، فإنه أراد الأسر، وقال: عنى بقوله:"ألم تيأسوا"، ألم تعلموا. وأنشدوا أيضًا في ذلك: (٢)
أَلَمْ يَيْأَسِ الأقْوَامُ أَنِّي أَنَا ابْنُهُ وَإِنْ كُنْتُ عَنْ أَرْضِ العَشِيرَةِ نَائِيَا (٣)
(١) مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٣٣٢، وأساس البلاغة (يأس)، وخرجه الأستاذ سيد صقر في مشكل القرآن: ١٤٨، وغريب القرآن: ٢٢٨، واللسان (يأس). وشرحه وبينه هنالك، وغير هذه المواضع كثير. و" زهدم" فرس سحيم فيما قالوا. ولو صحت نسبة الشعر لسحيم لكان" زهدم" فرس أبيه وثيل. وهذا الشعر ينسب إلى جابر بن سحيم، فإذا صح ذلك، صح أن" زهدم" فرس سحيم. وانظر نسب الخيل لابن الكلبي: ١٧، وأسماء الخيل لابن الأعرابي: ٦٣.
(٢) نسب إلى مالك بن عوف، وإلى رياح بن عدي.
(٣) معجم غريب القرآن في مسائل نافع بن الأزرق، لابن عباس: ٢٩١: والقرطبي: ٩: ٣٢٠، وأبو حيان ٥: ٣٩٢، وأساس البلاغة (يأس)، ولم أعرف الشعر.


الصفحة التالية
Icon