من ضم النون من نخفه، وقد أنشدني الثقة عن الفرّاء:
فإنْ تَدْفِنُوا الدَّاءَ لا نَخْفِهِ
بفتح النون من نخفه، من خفيته أخفيه، وهو أولى بالصواب لأنه المعروف من كلام العرب.
فإذا كان ذلك كذلك، وكان الفتح في الألف من أخفيها غير جائز عندنا لما ذكرنا، ثبت وصحّ الوجه الآخر، وهو أن معنى ذلك. أكاد استرها من نفسي.
وأما وجه صحة القول في ذلك، فهو أن الله تعالى ذكره خاطب بالقرآن العرب على ما يعرفونه من كلامهم وجرى به خطابهم بينهم، فلما كان معروفا في كلامهم أن يقول أحدهم إذا أراد المبالغة في الخبر عن إخفائه شيئا هو له مسرّ: قد كدت أن أخفي هذا الأمر عن نفسي من شدّة استسراري به، ولو قدرت أخفيه عن نفسي أخفيته، خاطبهم على حسب ما قد جرى به استعمالهم في ذلك من الكلام بينهم، وما قد عرفوه في منطقهم وقد قيل في ذلك أقوال غير ما قلنا. وإنما اخترنا هذا القول على غيره من الأقوال لموافقة أقوال أهل العلم من الصحابة والتابعين، إذ كنا لا نستجيز الخلاف عليهم، فيما استفاض القول به منهم، وجاء عنهم مجيئا يقطع العذر، فأما الذين قالوا في ذلك غير قولنا ممن قال فيه على وجه الانتزاع من كلام العرب، من غير أن يعزوه إلى إمام من الصحابة أو التابعين، وعلى وجه يحتمل الكلام من غير وجهه المعروف، فإنهم اختلفوا في معناه بينهم، فقال بعضهم: يحتمل معناه: أريد أخفيها، قال: وذلك معروف في اللغة، وذُكر أنه حُكي عن العرب أنهم يقولون: أولئك أصحابي الذين أكاد أنزل عليهم، وقال: معناه: لا أنزل إلا عليهم. قال: وحُكي: أكاد أبرح منزلي: أي ما أبرح منزلي، واحتجّ ببيت أنشده لبعض الشعراء:

كادَتْ وكِدْتُ وتِلكَ خَيْرُ إرَادَةٍ لَوْ عادَ مِنْ عَهْد الصَّبابَةِ ما مَضَى (١)
(١) البيت في (اللسان: كيد) قال: ويقال: فلان يكيد أمرا ما أدري ما هو؟ إذا كان يريغه، ويحتال له، ويسعى له. وقال: " بلغوا الأمر الذي كادوا ": يريد: طلبوا أو أرادوا، وأنشد أبو بكر في كاد بمعنى أراد، للأفوه:أراد: الذي أرادوا، وأنشد:
فإن تجمع أوتاد وأعمدة وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا
كادت وكدت وتلك خير إرادة لو (كان) من أمر الصبابة ما مضى
قال: معناه: ما أرادت، قال: ويحتمله قوله تعالى: لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا لأن الذي عاين من الظلمات آيسه من التأمل ليده، والإبصار إليها، والبيت شاهد على أن كاد بمعنى أراد، استشهد به المؤلف عند قوله تعالى: أَكَادُ أُخْفِيهَا.


الصفحة التالية
Icon