إلى الرحمن تسودّ وجوه الأشرار، وتظلم عيونهم، وعند ذلك يسرّ بنجاح حوائجهم الذين تركوا الشهوات تزينا بذلك عند ربهم، وتقدّموا في التضرّع، ليستحقوا بذلك الرحمة حين يحتاجون إليها، وهم الذين كابدوا الليل، واعتزلوا الفرش، وانتظروا الأسحار.
قال أيوب: أنتم قوم قد أعجبتكم أنفسكم، وقد كنت فيما خلا والرجال يُوَقِّرونني، وأنا معروف حقي منتصف من خصمي، قاهر لمن هو اليوم يقهرني، يسألني عن علم غيب الله لا أعلمه ويسألني، فلعمري ما نصح الأخ لأخيه حين نزل به البلاء كذلك، ولكنه يبكي معه، وإن كنت جادًّا فإن عقلي يقصر عن الذي تسألني عنه، فسل طير السماء هل تخبرك، وسل وحوش الأرض هل تَرْجِع إليك؟ وسل سباع البرية هل تجيبك؟ وسل حيتان البحر هل تصف لك كل ما عددت؟ تعلم أن صنع هذا بحكمته، وهيأه بلطفه. أما يعلم ابن آدم من الكلام ما سمع بأذنيه، وما طعم بفيه، وما شمّ بأنفه، وأن العلم الذي سألت عنه لا يعلمه إلا الله الذي خلقه، له الحكمة والجبروت، وله العظمة واللطف، وله الجلال والقدرة، إن أفسد فمن ذا الذي يصلح؟ وإن أعجم فمن ذا الذي يُفْصح؟ إن نظر إلى البحار يبست من خوفه، وإن أذن لها ابتلعت الأرض، فإنما يحملها بقدرته هو الذي تبْهَت الملوك عند ملكه، وتطيش العلماء عند علمه، وتعيا الحكماء عند حكمته، ويخسأ المبطلون عند سلطانه، هو الذي يذكر المنسي، وينسى المذكور، ويجري الظلمات والنور، هذا علمي، وخلقه أعظم من أن يحصيه عقلي، وعظمته أعظم من أن يقدرها مثلي.
قال بلدد: إن المنافق يجزى بما أسرّ من نفاقه، وتضلّ عنه العلانية التي خادع بها، وتوكل على الجزاء بها الذي عملها، ويهلك ذكره من الدنيا ويظلم نوره في الآخرة، ويوحش سبيله، وتوقعه في الأحبولة سريرته، وينقطع اسمه من الأرض، فلا ذكر فيها ولا عمران، لا يرثه ولد مصلحون من بعده، ولا يبقى له أصل يعرف به، ويبهت من يراه، وتقف الأشعار عند ذكره.
قال أيوب: إن أكن غويا فعليّ غواي، وإن أكن بريا فأيّ منعة عندي، إن صرخت فمن ذا الذي يصرخني، وإن سكتُّ فمن ذا الذي يَعْذرني، ذهب رجائي وانقضت أحلامي، وتنكرت لي معارفي؛ دعوت غلامي، فلم يجبني،