قالوا: فإن احتج محتج بقول الله جل ثناؤه: (فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) [الشعراء: ٥٧-٥٩] قيل لهم: (١) فإن الله جل ثناؤه إنما أورثهم ذلك، فملكهم إياها ولم يردهم إليها، وجعل مساكنهم الشأم.
* * *
وأما الذين قالوا: إن الله إنما عنى بقوله جل وعز: (اهبطوا مصرَ) مصرَ؛ فإن من حجتهم التي احتجوا بها الآية التي قال فيها: (فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) [الشعراء: ٥٧-٥٩] وقوله: (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ) [الدخان: ٢٥-٢٨]، قالوا: فأخبر الله جل ثناؤه أنه قد ورثهم ذلك وجعلها لهم، فلم يكونوا يرثونها ثم لا ينتفعون بها. قالوا: ولا يكونون منتفعين بها إلا بمصير بعضهم إليها، وإلا فلا وجه للانتفاع بها، إن لم يصيروا، أو يصر بعضهم إليها. قالوا: (٢) وأخرى، أنها في قراءة أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود:"اهبطوا مصر" بغير ألف. قالوا: ففي ذلك الدلالة البينة أنها"مصر" بعينها.
* * *
قال أبوجعفر: والذي نقول به في ذلك أنه لا دلالة في كتاب الله على الصواب من هذين التأويلين، ولا خبر به عن الرسول ﷺ يقطع مجيئه العذر. وأهل التأويل متنازعون تأويله، فأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: (٣) إن موسى سأل ربه أن يعطي قومه ما سألوه من نبات الأرض - على ما بينه الله جل وعز في كتابه - وهم في الأرض تائهون، فاستجاب الله لموسى دعاءه، وأمره أن يهبط بمن معه من قومه

(١) في المطبوعة: "قيل لهم"، وهو خطأ. والضمير في"له" راجع إلى قوله: "فإن احتج محتج".
(٢) قوله: "وأخرى"، أي وحجة أخرى. وانظر معاني القرآن للفراء ١: ٤٣
(٣) في المطبوعة: "عندنا والصواب"، وهو سهو ناسخ.


الصفحة التالية
Icon