فإن قال لنا قائل: وكيف - وجه تقديم ذلك؟
قيل: وجه تقديمه أن يقال: واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان [من السحر]، وما أنزل [الله السحر] على الملكين، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل، هاروت وماروت - فيكون معنيا بـ "الملكين": جبريل وميكائيل، لأن سحرة اليهود، فيما ذكر، كانت تزعم أن الله أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود، فأكذبها الله بذلك، وأخبر نبيه محمدا ﷺ أن جبريل وميكائيل لم ينزلا بسحر قط، وبرأ سليمان مما نحلوه من السحر، فأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين، وأنها تعلم الناس [ذلك] ببابل، وأن اللذين يعلمانهم ذلك رجلان: (١) اسم أحدهما هاروت، واسم الآخر ماروت. فيكون"هاروت وماروت"، على هذا التأويل، ترجمة على"الناس" وردا عليهم. (٢)
* * *
وقال آخرون: بل تأويل"ما" التي في قوله: (وما أنزل على الملكين) -"الذي".
* ذكر من قال ذلك:
١٦٧٢ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، قال معمر، قال قتادة والزهري عن عبد الله: (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت)، كانا ملكين من الملائكة، فأهبطا ليحكما بين الناس. وذلك أن الملائكة سخروا من أحكام بني آدم. قال: فحاكمت إليهما امرأة فحافا لها، (٣) ثم ذهبا يصعدان، فحيل بينهما وبين ذلك، وخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا. قال معمر، قال قتادة: فكانا يعلمان الناس السحر، فأخذ عليهما أن لا يعلما أحدا حتى يقولا"إنما نحن فتنة فلا تكفر".
(٢) "الترجمة" عند الكوفيين هي"البدل"، وانظر ما سلف ٢: ٣٤٠ وانظر ما سيأتي: ٤٢٣. والزيادات التي بين الأقواس في هذه الفقرة، من تفسير ابن كثير ١: ٢٥٢، وقد نقل كلام الطبري بنصه.
(٣) حاف له يحيف حيفا: مال معه فجاز وظلم غيره. وحاف عليه: ظلمه وجار عليه.