تُمطروا فتتأذّوا به (وطَمَعًا) لكم، إذا كنتم في إقامة، أن تمطروا، فتحيوا وتخصبوا (وَيُنزلُ مِنَ السَّماءِ مَاءً) يقول: وينزل من السما مطرا، فيحيي بذلك الماء الأرض الميتة؛ فتنبت ويخرج زرعها بعد موتها، يعني جدوبها ودروسها (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ) يقول: إن في فعله ذلك كذلك لعبرا وأدلة (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) عن الله حججه وأدلته.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، فى قوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا) قال: خوفا للمسافر، وطمعا للمقيم. واختلف أهل العربية في وجه سقوط "أن" في قوله: (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا) فقال بعض نحويي البصرة: لم يذكر هاهنا "أن"؛ لأن هذا يدلّ على المعنى، وقال الشاعر:
ألا أيُّهَذَا الزَّاجِرِي أحْضُرَ الوَغَى | وأنْ أشْهَدَ اللَّذَّاتِ هَل أنْتَ مُخْلِدي (١) |
لَوْ قُلْتُ ما فِي قَوْمِها لَمْ تِيثَمِ | يَفْضُلُها في حَسَبٍ وَمِيسمِ (٢) |
(٢) البيت من الرجز لحكيم بن معية الربعي التميمي، وهو راجز إسلامي كان في زمن العجاج، وقد نسبه إليه سيبويه في الكتاب (خزانة الأدب الكبرى للبغدادي ٢: ٣١١). وأنشده الفراء في معاني القرآن عند قوله تعالى: (من الذين هادوا يحرفون الكلم) على أحد وجهين وذلك من كلام العرب أن يضمروا (مَنْ بفتح الميم) في مبتدأ الكلام (بمن بكسر الميم)، فيقولون: منا يقول ذاك ومنا لا يقوله؛ وذلك أن (من بالكسر) بعض لما هي منه فلذلك أدت عن المعنى المتروك؛ قال الله تعالى: (وما منا إلا له مقام معلوم) وقال (وإن منكم إلا واردها). ولا يجوز إضمار (من) بالفتح في شيء من الصفات (حروف الجر) إلا على هذا الذي نبأتك به، وقد قالها الشاعر في (في) ولست أشتهيها. قال: لو قلت... البيت. وإنما جاز لك لأنك تجد معنى من (بالكسر) من أنه بعض ما أضيفت إليه ألا ترى أنك تقول: فينا الصالحون، وفينا دون ذلك، فكأنك قلت: منا. وقال الفراء في قوله تعالى (ومن آياته يريكم البرق). فمن أضمر (أن) فهي موضع اسم مرفوع، كما قال: (ومن آياته منامكم) فإذا حذفت أن، جعلت من (بالكسر) مؤدية عن اسم متروك يكون الفعل (في) صلة له، كقول الشاعر "وما الدهر إلا تارتان... " إلخ البيت. كأن أراد: فمنها ساعة أموتها، وساعة أعيشها. وكذلك، ومن آياته آية للبرق، وآية لكذا. وإن شئت: يريكم من آياته البرق، فلا تضمر أن ولا غيره. اهـ.