أبي مالك (هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأولَى) قال: مما أنذروا به قومهم في صحف إبراهيم وموسى.
وهذا الذي ذكرت، عن أبي مالك أشبه بتأويل الآية، وذلك أن الله تعالى ذكره ذكر ذلك في سياق الآيات التي أخبر عنها أنها في صحف إبراهيم وموسى نذير من النُّذر الأولى التي جاءت الأمم قبلكم كما جاءتكم، فقوله (هَذَا) بأن تكون إشارة إلى ما تقدمها من الكلام أولى وأشبه منه بغير ذلك.
وقوله (أَزِفَتِ الآزِفَةُ) يقول: ذنت الدانية: وإنما يعني: دنت القيامة القريبة منكم أيها الناس يقال منه: أزف رَحِيل فلان. إذا دنا وقَرُب، كما قال نابغة بنى ذُبيان:

أَزِفَ الترَحُّلُ غَيرَ أنَّ ركابنا لَمَّا تَزَلْ بِرَحالِنا وكأنْ قَدٍ (١)
وكما قال كعب بن زُهَير:
بانَ الشَّبابُ وأمْسَى الشَّيبُ قَدْ أزِفا وَلا أرَى لشَبابٍ ذَاهِبٍ خَلَفَا (٢)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن
(١) البيت للنابغة الذبياني (مختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي ١٨٣) والرواية فيه " أفد " في مكان " أزف " وكلاهما بمعنى. قال: أفد: دنا. والركاب: الإبل، والرحال: واحدها: راحلة. يقول: قرب الترحل إلا أن الركاب لم تزل، وكأنها قد زالت، لقرب وقت الارتحال أ. هـ. وفي (اللسان: أزف) أزف يأزف أزفا وأزوفا: اقترب وكل شيء اقترب فقد أزف أزفا (كفرح يفرح فرحا) أي دنا وأفد. والآزفة: القيامة: لقربها، وإن استبعد الناس مداها، قال الله تعالى: " أزفت الآزفة " يعني القيامة: أي دنت أ. هـ.
(٢)
البيت لكعب بن زهير كما قال المؤلف. وبان الشباب: ذهب عنه وتولى. يقول: ليس بعد زوال الشباب ونضرته وقوته خلف منه إلا الشيب والانحلال والكبر، ثم الموت. فإذا ذهب الشباب فقد ذهب العمر في الحقيقة. والبيت كالشاهدين قبله، على أن معنى أزف: دنا واقترب.


الصفحة التالية
Icon