قال الحسن، في قوله: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) قال: في النار.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) قال: إلى النار.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصحة، وأشبهها بتأويل الآية، قول من قال: معناه: ثم رددناه إلى أرذل العمر، إلى عمر الخَرْفَى، الذين ذهبت عقولهم من الهِرَم والكِبر، فهو في أسفل من سفل في إدبار العمر وذهاب العقل.
وإنما قلنا: هذا القول أولى بالصواب في ذلك؛ لأن الله تعالى ذكره، أخبر عن خلقه ابن آدم، وتصريفه في الأحوال، احتجاجا بذلك على مُنكري قُدرته على البعث بعد الموت، ألا ترى أنه يقول: (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) يعني: بعد هذه الحُجَج.
ومحال أن يحتجّ على قوم كانوا مُنكرين معنى من المعاني بما كانوا له مُنكرين. وإنما الحجة على كلّ قوم بما لا يقدرون على دفعه، مما يعاينونه ويحسُّونه، أو يقرّون به، وإن لم يكونوا له مُحسين.
وإذْ كان ذلك كذلك، وكان القوم للنار- التي كان الله يتوعدهم بها في الآخرة- مُنكرين، وكانوا لأهل الهِرَم والخَرَف من بعد الشباب والجَلَد شاهدين، علم أنه إنما احتجّ عليهم بما كانوا له مُعاينين، من تصريفه خلقه، ونقله إياهم من حال التقويم الحسن والشباب والجلد، إلى الهِرَم والضعف وفناء العمر، وحدوث الخَرَف.
وقوله: (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) اختلف أهل التأويل في معنى هذا الاستثناء، فقال بعضهم: هو استثناء صحيح من قوله (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) قالوا: وإنما جاز استثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وهم جمع، من الهاء في قوله (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ) وهي كناية الإنسان، والإنسان في لفظ واحد، لأن الإنسان وإن كان في لفظ واحد، فإنه في معنى الجمع، لأنه بمعنى الجنس، كما قيل: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) قالوا: وكذلك جاز أن يقال: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) فيضاف أفعل إلى جماعة، وقالوا: ولو كان مقصودا به قصد واحد بعينه، لم يجز ذلك، كما لا يُقال: هذا أفضل قائمين، ولكن يقال: هذا أفضل قائم
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن سعيد بن سابق، عن عاصم الأحول،