في الرتبة العلية من البلاغة الخارجة عن طوق البشر أو كان العجز عن المعارضة الصرفة من الله سبحانه لهم عن أن يعارضوه، والحق الأول فإن القرآن يأتي تارة بالقصة باللفظ الطويل، ثم يعيدها باللفظ الوجيز ولا يخل بالمقصود، وأنه فارقت أساليبه أساليب الكلام وأوزانه أوزان الأشعار والخطب والرسائل ولهذا تحدت العرب به فعجزوا عنه وتحيروا فيه واعترفوا بفضله، وهم معدن البلاغة وفرسان الفصاحة حتى قال الوليد بن المغيرة في وصف القرآن: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أصله لمغدق وإن أعلاه لمثمر، والكلام في هذا مبسوط في مواطنه.
(فاتقوا النار) بالإيمان بالله وكتبه ورسله والقيام بفرائضه واجتناب مناهيه وقيل المعنى فاحترزوا من إنكار كونه منزلاً من عند الله فإنه مستوجب للعقاب بالنار (التي وقودها الناس والحجارة) أي حطبها والوقود بالفتح الحطب وبالضم التوقد، وقيل كل من الفتح والضم يجري في الآلة والمصدر والمراد بالحجارة الأصنام التي كانوا يعبدونها لأنهم قرنوا أنفسهم بها في الدنيا فجعلت وقوداً للنار معهم، ويدل على هذا قوله تعالى (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) وقيل المراد بها حجارة الكبريت لأنها أكثر التهاباً قاله ابن عباس، وقيل جميع الحجارة، وفيه دليل على عظم تلك النار وقوتها وفي هذا من التهويل ما لا يقادر قدره من كون هذه النار تتقد بالناس والحجارة فأوقدت بنفس ما يراد إحراقه بها.
(أعدت للكافرين) أي لمن كان مثل ما أنتم عليه من الكفر، قاله ابن عباس والمعنى جعلت عدة لعذابهم وهيئت لذلك، واخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس قال تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية وقودها الناس والحجارة قال أوقد عليها ألف عام حتى احمرت وألف عام حتى ابيضت وألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة لا يطفأ لهبها، وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعاً مثله،


الصفحة التالية
Icon