بالغيب قولاً واعتقاداً وعملاً، وتدخل الخشية لله في معنى الإيمان الذي هو تصديق القول بالعمل، والإيمان كلمة جامعة للإقرار بالله وكتبه ورسله وتصديق الإقرار بالفعل، وقال ابن كثير إن الإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقاداً وقولاً وعملاً، هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة بل قد حكاه الشافعي وأحمد وأبو عبيد وغير واحد إجماعاً أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وقد ورد فيه آثار كثيرة انتهى.
وقد أنكر أكثر المتكلمين زيادة الإيمان ونقصانه، وقال أهل السنة إن نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص، والإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة الأعمال ونقصانها، وبهذا أمكن الجمع بين ظواهر النصوص من الكتاب والسنة التي جاءت بزيادة الإيمان ونقصانه، وبين أصله من اللغة.
والدليل على أن الأعمال من الإيمان قوله - ﷺ - " الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان (١) " أخرجه الشيخان عن أبي هريرة.
ولشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام كلام في معنى الغيب وعالمه في كتاب العقل والنقل حاصله أن من زعم أن عالم الغيب الذي أخبر به الله والرسل هو العالم العقلي الذي يثبته هؤلاء الفلاسفة فهو من أضل الناس، فإن ابن سينا ومن سلك سبيله في هذا كالشهرستاني والرازي وغيرهما يقولون إن الإلهيين يثبتون العالم العقلي ويردون على الطبيعيين منهم الذين لا يثبتون إلا العالم الحسي ويدعون أن العالم العقلي الذي يثبتونه هو ما أخبرت به الرسل من الغيب الذي أمروا بالإيمان به مثل وجود الرب والملائكة والجنة، وليس الأمر كذلك، فإن ما يثبتونه من العقليات إذا حقق الأمر لم يكن لها وجود إلا في العقل، وسميت مجردات ومفارقات لأن العقل يجرد الأمور الكلية
_________
(١) مسلم/٣٥ - البخاري/٩.


الصفحة التالية
Icon